الدنيا سباق

لا يتردد الناس في تصديق من قال: المناظر خدّاعة.

في السنوات الأخيرة وجدتُ ما يؤيّد المقولة. ولقد رأينا أن مستوى دخل الفرد لا يكون وثيق الصلة بالحياة المعيشية التي يحياها، فقد نجد شخصين يتقارب دخلهما ورغم ذلك نجد فرقا شاسعا في طريقة معاشهما.

أعتقد أن أمورا كثيرة تتحكم في هذه المعادلة. فهناك العادة ومستوى التعليم والمحيط والذوق والراحة النفسية والاطمئنان إلى الواقع المعيشي. والقرب أو البعد من منابع السعادة.

قد يتوفّر مثلا مبلغ ألفي ريال -مثلا- لدى شخصين مختلفين في نهاية الشهر. ينفقها هذا في مأدبة يقيمها لأصحابه. وينفقها الآخر في شراء ستائر لغرفة الاستقبال في منزله. تُنفق ابنة الأول الخمس مئة ريال في شراء حاجة (ماركة)، وتنفق ابنة الآخر المبلغ في شراء لوحة رسم زيتية، رأت فيها لمسة جمالية أروت عشقها الفني لتعليقها في جدار غرفتها.

قرأنا في الأدبيات الغربية قصة حقيقية وقعت في أوروبا تقول:

السيّد (...) مموّل كبير يعيش عيشة رغد، تعرفه المصارف وبيوت التمويل، ويملك قارب نزهة مُترفا ومزرعة ممتعة وأيضا يُهدي لأصحابه سيارات لتسيير مصالحه.

أصيب ذاك الكبير مثل غيره بآثار تقلبات مالية واقترب من هاوية الإفلاس، أو أنه لامس أولها.

يقول محرر صفحة مالية اقتصادية إن المشرف على تحرير القضايا المالية طلب منه مرافقته لزيارة ذلك الثريّ (السابق الآن)، وشاهد قصرا منيفا وخدما وحراسة ولوحات فنية لا تُقدّر بثمن، وسكرتيرة حسناء ولباسا موحّدا لطاقم الخدمة أي كل مظاهر العز والبذخ، رآها الصحافيان رأي العين.

وبعد أن أجريا الحديث وأنهيا المقابلة قال أحد الصحفيين للآخر:

كيف يحدث أن يكون هذا الرجل مفلسا ويعيش هذا المستوى الذي رأيناه؟

قال الآخر: لذلك تفسير بسيط، وهو أن الدائنين لا يستطيعون بيع هذا القصر، لأن ثمنهُ سوف لا يُغطّي الضرائب، وديون الدولة لها الأولوية. فهم (أي الدائنون) سوف لا يقبضون شيئا. وينطبق هذا القول على التحف والمقتنيات الثمينة التي وُجدت داخل القصر ويملكها الثريّ. أما الخدم فلهم بذمة المالك رواتب متأخرة تجعلهم يترددون قبل التفكير بالهرب.

يا مَن تَبَجّحَ في الدّنيا وزُخرُفِها

كنْ من صروفِ لياليها على حذرِ

إنّ الزمانَ، إذا جرّبتَ خلقتهُ

مقسمُ الأمرِ بينَ الصفوِ والكدرِ

بقلم: عبدالعزيز المحمد الذكير - الرياض