من غبّى عشاه أصبح يلقاه

شخصيا وجدتُ أن الأمر يختلط عليّ عندما أقرأ مفردة "التخفيضات"، لأني بدأت من كثرة مرور المفردة بين خطابات الدول المصدرة للبترول (أوبيك) والتخفيضات التي نقرأ يوميا وتصدر عن المحلات الاستهلاكية من طعام وملبس، ومحلات بيع أجهزة التلاعب بتاريخ الصلاحية (صناعة أوجدت صناعة) كما يأتي في علوم الاقتصاد.

حفظ، أو ادخار قوت أو طعام لا تطابق بينه ولا انسجام مع الحياة المعاصرة.

و"من غبّى عشاه أصبح يلقاه" قول أو حكمة شعبية توارثناها مع أمثالها من الأقوال طيبة المذاق، ممتعة، مستصاغة. ومع أن التطبيق العملي لم يكن في المتناول، فوسائل الحفظ والتبريد والتجميد والعناية بالطعام لوقت الحاجة (العشاء)، أو ادّخار المواد القابلة للعطب في زمان من قال ذاك المصطلح، لم تكن متاحة أو بالأحرى لم يُخترع بعد، بحيث تنسجم مع المثل أو الحكمة الشعبية المذكورة كعنوان لهذه الزاوية.

وتُبرهن بعض أمثال الزمن القديم عن أن مهارة الأقدمين في تهذيب الأمثال لم تكن بذلك التفوّق، إذ إنها لم تحسب حساب الزمن أولا، ثم لوجود أمثال تتعارض معها ثانيا.

ويتداول مغردون كُثُر مقولة وجوب الاحتفاظ بالبترول في أعماق الأرض لأجيال قادمة. والقول في حد ذاته سائغ وجدير بالقبول. وقرأت آراء للأخ عثمان الخويطر، نائب الرئيس في شركة أرامكو سابقا والقلم المقروء في صحيفة الاقتصادية مناداة بمثل تلك الدعوة، وهو يسبقنا في المعرفة بميادين كهذه. لكنني لو دخلت على الخط كقليل أو عديم خبرة في شؤون الزيت والغاز، لجئتُ من باب الدعابة فقط، لأقول للمنادين بوجوب ترك النفط في مكامنه لحين الحاجة، أخشى أن يكون (حَوِيْل) والتمر الحويل المتبقي من العام الماضي لا يحصل على السعر الجيد، بسبب مزاحمة التمر الجديد. قال شاعر شعبي:

لا تَفِتْشهْ يطلع حويل(ن) من العام + خلّه على ما فيه لا عاد يومهْ.

قصدي إذا اختزناه في جوف الأرض قد يأتي الوقت الذي فيه تتدفّق علينا بدائل فيطلع نفطنا "حويل" أو تأتي العقول بآلات لا تعمل على الطاقة (اللي حنّا خابرين).

و"من غبّى عشاه أصبح يلقاه" مثل شعبي لكن أميركا طبقتهُ بحذافيره. ويؤكد موقع حكومي أميركي أن الحجم الهائل للمخزون الاحتياطي الإستراتيجي من النفط يشكل رادعا مهما في مواجهة وقف واردات النفط، وأداة مهمة في السياسة الخارجية.. ويقال إن "أماكن التخزين تقع على (القباب الملحية)، فالملح يصون النفط الخام ولا يختلط به ولا يذوب فيه، لذا فهذه القباب تشكل منشآت تخزين مثالية".

بقلم: عبدالعزيز المحمد الذكير - الرياض