هل غاب بريق الفضائيات؟

مضى الوقت الذي كانت فيه القنواتُ الفضائيَّة هي وسيلةَ الاتصال الأكثر انتشارًا، والأوسع مدى، والأكثر جذبًا وإغراءً؛ لجمعها بين الصَّوت والصورة، والضَّوء واللَّون والحركة، حوَّلت الفضائياتُ في وقت من الأوقات الإعلامَ اليوميَّ من مجرَّد نقل المعلومات والأفكار إلى الإسهام الفِعلي في تكوين الحياة في أبعادها السِّياسيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة؛ لِمَا كان لها من قُدرة على التَّأثير في الاتِّجاهات لدى الأفراد والجماعات، أو تعديلها، أو تغييرها.

عندي أن ذاك البريق ولّى .

المتعة المنشودة من قنوات الفضاء لم تعد توجد. والبرامج لا تحمل في طياتها روعة إبداع، فالنكتة مكررة، والمشاهد مألوفة، والصراخ في أكثر البرامج على أشده.

رغم وجود القنوات الفضائية التي يمكن أن يُشاهدها المشاهد المحلي، ورغم ما كان الناس يتوقعونه من تركيز البرامج المنوعة والطريقة، فإن تراجع نوعية تلك البرامج أفسح المجال أمام الجمهور لمتابعة التواصل الاجتماعي واليوتيوب والتي قد يرى فيها المشاهد تنوعا عصريا لم يعهده. كوكتيل من كل شيء .

الأكلات البصرية لم تعد تُقدم من مطبخ الفضائيات. ولو حاولت في السنين الأخيرة استقطاب المشاهد السعودي، ليس من أجل ذوقه وخاطره، بل من أجل اكتسابه كمتلقٍ للإعلانات. حتى اللهجة السعودية برعت الفضائيات في تقليدها، ولو جاءت نشازا. الروح الثقافية معدومة، والروح التجارية تملأ الساحة .

الإقبال الجماهيري على الفضائيات في بداياتها كان عارماً. وأثمان أطباق الالتقاط فلكيّة ( مع أنها كانت من الأمور المتحفظ عليها ) تابو . بازار الفضائيات أصابه البوار، وسوقه أصبحت مثل سوق الخضار آخر النهار. لدرجة أن أصحاب تلك المشروعات الفضائية يتسابقون على البيوت المالية لكي ترعى برامجهم .

الأمر الذي لم يلفت نظري وحدي، بل عم كل ذي عقل، هو أن الفضائيات في أولياتها وصل ثمن التوريد والتركيب قرابة المائة والخمسين ألف ريال. ولا أقول هذا جزافا بل اطلعتُ على فاتورة توريد وتركيب دش بلغت هذا المبلغ. هذا يدل على العقلية الاستهلاكية التي تتحكم بمجتمعنا .

كانت الأسر تجتمع عند من أصاب حظاً وحصل على الطبق / الثروة .

وظن الناس أول الأمر أن ربط الدش وتركيبه وتشغيله أمر ليس بالسهل، وأنه ليس كبقية الحِرَف، والذي حدث أن بيع وتركيب هذا الشيء لا يحتاج إلى فن ودماغ وموازنات وبرمجة، كما كان يُخيّل لنا سابقا. ثم إن سعره وتركيبه هبط إلى أدنى مستوى.

بقلم: عبدالعزيز المحمد الذكير - الرياض