الساعة أم صِليْبْ

العاقل يدرك أن الدين الإسلامي العظيم الذي غمر الأرض ماضياً وحاضراً وامتد بالحسنى والكلمة الطيبة والنبيلة، أبلغ من أن تؤثّر فيه أعمال بانورامية وزخرفة وشعارات.

وأيضاً لا تزيده عزّاً ومنعة أعمال بانورامية وزخرفة وشعارات. حتى لو اجتهد المسلمون بإشعال قناديل جديدة من التوعية، فهو قنديل أكبر من قنديلهم.

أقول أبلغ من أن يؤثّر فيه شعار مرفوع أو أيقونة لديانة أخرى. ومرّ زمن كانت الجمارك في منافذ بلادنا تُتعب نفسها وموظفيها وأيضاً المسافرين في حكّ أو إزالة شعار دولة برزت في صناعة الساعات. ذاك الشعار كان على شكل صليب يُمثّل رمزاً صناعياً بحتاً لا دخل للطقوس الدينية فيه، ولا بالمنتج الذي وُضع عليه، من قريب أو بعيد.

وفي منفذ حدودي لا يتركون العابر يمرّ دون التدقيق في الساعة التي يلبسها المسافر في معصمه. ومما زاد المسألة ارتباكاً في التعامل التجاري بين المملكة وسويسرا، التي تُنتج ذاك النوع من الساعات أن بعض التجار خسروا صفقات استيراد رفضت المصانع إزالة العلامة، لأنها شعار البلد، وأيضاً كانت الساعة مقبولة ورائجة في البلدان الكثيرة الأخرى، لا بسبب الصليب لكن بدقة الساعة وجودة صناعتها. ولم تجد شركات الصناعة مبرراً لتجريد الساعة من العلامة التي اشتهرت بها.

ثم مرّت علينا مرحلة كانت بالإحرى مجالاً للتندر والضحك. فقد كان الفراغ بين الحروف التي اعتمدتها الخطوط السعودية يمثل شبهاً للصليب، الذي قال البعض إنه يمثّل حضوراً كنسياً، أو تبشيرياً، فنصحوا بترتيب الحروف Saudia بطريقة لا تجعل الفراغ واضحاً، لإزالة الريبة بأن الخطاط مبشّر يعمل ضد الإسلام ويُبشّر بالأفكار اللاهوتية.

وعجزتُ وربما عجز غيري معي عن العثور في التاريخ وأخبار السلف عن وقائع أو دلائل تجعل "اكتشاف" مثل تلك الرموز والشعارات مطلباً دينياً يُثاب فاعله أو يُرجى من ورائه الأجر.

واستطاعت بلادنا أن تحجب كل ما يُسيء إلى الدين من مطبوعات وأفلام يُشم من رائحتها أن وراءها ما يُروّج لعبادات وقداسات قد تتضارب مع الدين الإسلامي. حتى الكتب التي تهزأ بأديان وعبادات أخرى لا يُسمح بدخولها إلى بلادنا، بما فيها الكتب والأفلام التى راجت في أوروبا التي تهزأ بالمسيح عليه السلام أو بغيره من أنبياء الله، ليس لها وجود عندنا. وما دمنا عاملين هذا، فلماذا يأتي متخلّف بعجائب كتلك.

ومسألة الفراغ بين حروف الخطوط السعودية كلّفت المؤسسة الكثير لتغييرها. فهناك تغيير شكل طلاء الطائرات، وهناك توريد وتركيب ورق جدران جديدة لمكاتب السعودية في الداخل والخارج، وأيضاً هناك تكلفة أشكال التذاكر وأوراق التخاطب والمعدات والكراسى والمناشف والشوك والملاعق والصحون.. كل هذا بسبب أن أحدهم وصل إلى قناعة بأن ذاك الفراغ يُمثل الصليب، و(أبْلشْ) أهل القرار حتى ملوا من تكرار النصح، وضاقت بهم الحال فأقروا التغيير.

بقلم: عبدالعزيز المحمد الذكير - الرياض