الحكمة في زمن اللاحكمة

حتى تاريخ كتابة المقال رصدت ما بثته العديد من وكالات الأنباء العالمية وبعض الشبكات الإخبارية الأمريكية لمضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- والتي ركزت بشكل كبير على وصم ما ارتكبته إسرائيل في قطاع غزة بجرائم حرب، ثم أشارت بعضها وبدرجات أقل حول التطرف الذي تمارسه الجماعات المتطرفة في المنطقة والصمت الدولي تجاهه، ولكنها وفي المقابل لم تتحدث عن بعد إستراتيجي في كلمة خادم الحرمين الشريفين لا تقل أهمية عن كل ما نشروه وهو البعد الإستراتيجي للواقع التاريخي الحرج الذي يعشه العالم العربي والإسلامي وهي الأجيال التي تنمو على مشاهد الرؤوس التي تقطعها بعض الجماعات المتطرفة وتبثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتكون مثل هذه المناظر مألوفة ودارجة بكل أسف وهو ما يحتم على الجميع التوقف عند ذات البعد ليس لآثاره الحالية فحسب بل من أجل قراءة المستقبل في حال استمر الصمت الأممي وغض الطرف عما يحدث في الشرق الأوسط.

ما يحدث اليوم من انتشار لفكر الكراهية والتطرف هو حصاد عقد ونصف من التأخر في مواجهة التطرف والإرهاب فكرياً وتحديداً منذ أن طل الإرهاب بصبغة جديدة في العالم 2001 وذات الإرهاب تمت مواجهته عسكرياً ولم يواجه فكرياً بالشكل الذي يكفل الحد من انتشاره، وهو بالطبع ما فسح المجال لمثل هذه الجماعات المتطرفة من التمدد لتصل إلى العديد من مناطق الصراع، وهنا يجب أن نتحدث بوضوح حول أمرين لا يقلان أهمية عن بعضهما ويتمثل الأول في المستقبل الذي ينتظر المنطقة في ظل قدرة الإرهاب على التمدد والانتشار عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتخاذل الدولي، والبعد الآخر وهو المستقبل الذي ينتظر العالم بعد عقد أو عقدين في ظل هذه المعطيات، فالإهارب إن تواجد في منطقة محددة اليوم لا يعني بالضرورة استمراره فيها دون أن يتمدد، وهنا يجب الحديث وطنياً وبوضوح حول أهمية إعلان حالة الطوارئ لمكافحة الإرهاب فكرياً وثقافيا ودينياً وربما تكون نقطة البدء بتفعيل القوة الناعمة السعودية وبشكل عاجل وبكافة الأدوات المتاحة، بينما تتمثل النقطة الثانية في رسم وثيقة وطنية لمكافحة التطرف وفكر الكراهية تحت مظلة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني للتقريب بين مواقف المثقفين في مواجهة الفكر المتطرف عملياً وتحديد الأدوات الأنسب لمواجهته اجتماعياً وثقافياً وإعلامياً، ومن ناحية أخرى إصدار خطة عمل تنفيذية لتفعيل دور المؤسسات الثقافية والتعليمية في مكافحة التطرف والكراهية من خلال تعزيز واقع الفنون والثقافة في المجتمع ومكافحة الغلو والإرهاب المعنوي والتزهيد في الحياة باسم الدين، وكذلك تعزيز الثقافة في التنمية الوطنية لأهميتها ودورها التاريخي في تشكيل وعي المجتمعات، ومن جانب آخر استحداث مناهج عملية تعنى بالدراسات الثقافية والفكرية في التعليم العام والعالي وتفعيل الأنشطة والفعاليات الثقافية في مؤسسات التعليم لتساهم في الحد من تدفق الأفكار المتطرفة بين الأجيال، فليس أمامنا جميعاً عذر في التخاذل عن مكافحة الإرهاب والذي وقوده هم أبناؤنا وبناتنا بكل أسف، وسيكون من الصعب حمايتهم دون تحمل مسؤولياتنا التاريخية والمشاركة الفاعلة في الحد من سيل أفكار الإرهاب والكراهية والتطرف.