المرأة.. في يومها

8 مارس هو اليوم الذي اختارته الأمم المتحدة يوماً عالمياً للمرأة، وهي هنا من دون أن تعلم تمارس تفرقة عنصرية مضمرة ضد المرأة وليس معها، فأنت حينما تخرج المرأة من سياقها الإنساني، وتلحقها بالأقليات التي اعتادت أن تحتفل بهم الأمم المتحدة، كيوم المهاجرين، يوم الأسير، يوم متلازمة داون.. فأنت هنا تجعلها غصناً متفرعاً من شجرة، وليست مكوناً رئيساً داخل المجتمعات الإنسانية.

وإن كنا هنا سنحاول أن نغلب النوايا الحسنة للأمم المتحدة والتي تحاول في هذا اليوم أن تلفت الانتباه للإرث الهائل من المظلوميات والتي تطوق النساء وعبر جميع الثقافات، لكن هذا لا ينفي أن تكون المنظمة العالمية نفسها قد وقعت فيما تناهضه.

عموماً قضايا النساء ظلت في حيز الهامش ولم تدخل إلى متن الخطاب الرسمي وفي حالة انقطاع عن واقعها عبر التاريخ، فالمرأة لم تمثل يوماً ما قوة ضغط لدى صناع القرار فهي ليست مصدر ضغط أثني أو قبلي داخل شرائح المجتمع ولم تمثل قوة اقتصادية كطبقة التجار أو التكنوقراط، ولم تتواجد داخل ثكنة عسكرية تسهم في التوازنات السياسية، لذا الحيز المتقهقر الذي شغلته المرأة عبر التاريخ غيب الكثير من حقوقها الأولية البسيطة التي تتبدى في تقرير المصير واستقلال الإرادة.

وفي أحد الظروف التاريخية النادرة استطاعت المرأة أن تخترق تلك المراتب المتدنية وذلك عندما شكلت قوة اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا نتيجة التهام ميادين الحرب للذكور ونزولها كبديل لسوق العمل، ومن هناك استطاعت أن تكون وتسترد بعضاً من حقوقها الإنسانية على مستوى التشريعات والقوانين، بشكل مرر لها بعض الخبرات الميدانية ومنحها القوة والتماسك للعمل بشكل مؤسسي يحمي حقوقها من ناحية، ويشكل (لوبيات) ضاغطة على صناعة القرار من ناحية أخرى، ومن هناك أكملت المنظمات النسوية مؤسسياً مع استثمار سمات الدولة المدنية الحديثة من ناحية حرصها على قيم العدالة والحقوق والمساواة في المجتمعات بحيث بتنا نرى المرأة الآن تتسنم أعلى هرم السلطة ووزارات سيادية في العالم المتمدن.

في دول العالم الثالث وفي عالمنا العربي بالتحديد مابرحت المرأة تكابد الكثير من المآزق والصعوبات بالشكل الذي يمنع الشعوب من الاستثمار فيما يوازي نصف طاقاته البشرية، وإن ساهمت فبشكل مبتسر ومحدود ومسيرة مرتبكة تتبدى في خطوة إلى الأمام واثنتين للخلف، فالمؤسسة الدينية تتصدى للاستحواذ على ملف المرأة دوماً عبر مرجعيتها النصوصية، ولأن النص يخضع للكثير من التفسيرات باختلاف المكان والزمان على رقعة الوطن العربي، كتباين المواقف من القوانين التي تحميها من التحرش والاختلاط وفتاوى غطاء الوجه، فنجد أن ملفها مابرح عالقاً بين تفسير أصولي متطرف وآخر نستطيع أن نقول إنه أكثر انتماء لروح العصر وتوظيفاً لفقه النوازل، وإن كانت المرأة عبر كلا التفسيرين مقصاة عن المشاركة على مستوى الفتوى والمجمعات الفقهية التي مازالت تغلق بابها دونها.

المؤسسة السياسية على الغالب لا يندرج ملف المرأة على قائمة أولوياتها وإن كان يظهر على المستوى اللغوي كواجهة حضارية فيقدم داخل إطار خطاب دولي عالمي، لكن هذا الخطاب المتفائل يخفت ويخبو وتقصيه وتدنيه توازنات العملية السياسية في الداخل، بدليل ضآلة عدد الحقائب الوزارية الموكلة إلى المرأة، وقلة المقاعد الممنوحة لها في مواطن صناعة القرار.

العاملان السابقان يصبان في حوض مجتمع ذكوري أبوي تغلغل في تفاصيله مكون متخلف يستنقص النساء ويربطهن بكل ماهو شر وخطيئة ومحرض على الغرائز، مع تغييب بعدها الإنساني وإدراجها في حيز الشيء/المقتنى.

ومن خلال جميع ما سبق نلاحظ بقاء ملف المرأة في الحيز اللغوي الإنشائي دون أن يغادره إلى الجانب العملي الملموس سواء على مستوى تحصيل الاستحقاقات أو المحافظة على المكتسبات التي نالتها المرأة العربية في القرن الماضي منذ إتاحة التعليم لها ودخولها سوق العمل.

والآن مع ظهور الكثير من التحديات الاقتصادية والأمنية داخل المجتمعات المعاصرة، بات من المحتم عصرنة خطاب المرأة ومقاربته بشكل أكثر تمثلاً لمتطلباتها وتفهماً لمشاكلها الحقيقية سواء في مجال الأسرة أو العمل أو الفضاء العام.

الخلاصة:-

تأسيس هيئة عليا لشؤون الأسرة ضرورة تشريعية هامة، فتحت سقفها ستحسم الكثير من القضايا المعلقة والملفات المقصاة، التي تحمى مسيرتها التنموية من الانتكاسات وتدعمها عبر القوانين.

أيضا لعل قلة أو غياب الدراسات النسوية، وتقاعس المؤسسات الأكاديمية لدينا عن تأسيس الأقسام الخاصة بهذه الدراسات، جزء من مشكلة النساء التي ظلت تتحرك في الجانب اللغوي العاطفي الإنشائي لخطاب تقليدي، وداخل انفعالية تجاذب التيارات الفكرية، وغابت عن قضاياها لغة العلم الموضوعية المحايدة المدعمة بالدراسات والأرقام والتي وحدها ستحسم الكثير من إشكاليات تتعلق بأدق تفاصيل حياتها، سواء لدى صانع القرار أو بقية شرائح المجتمع.

دراسات من الممكن أن تختصر الكثير من الجهد والوقت، على سبيل المثال لو أن تعليم المرأة على المستوى المحلي رافق بداياته دراسات تبرز انعكاساته الإيجابية على المجتمع والأسرة عموماً لاختصرنا الكثير من السنوات في عمر التنمية الوطنية.

الخلاصة لنستجير بلغة العلم الموضوعية في قضايا النساء، فحيادها سيذلل الكثير من الصعاب.

بقلم: أميمة الخميس - الرياض