هل هي خلية منقطعة عن محيطها؟

لا نستطيع تناول حادثة اجتماعية بانقطاع عن سياقها التاريخي والفكري والسياسي، وحادثة اعتداء أفراد الهيئة على متسوق أجنبي وزوجته السعودية تكرس أخطاء الهيئة كظاهرة متصلة، وليس أخطاء فردية متفرقة لهذا الجهاز.

فهي لم تكن الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. وفي اليوم الوطني القادم سيحول الحول على حادثة شابي الجسر اللذين لقيا حتفهما أثر مطاردة مع أفراد الهيئة،، طالما ظل هذا الجهاز بصورته الحالية عصيا عن التطوير والتمدين والارتقاء به إلى المستوى المدني الذي يليق بالمملكة وتحدياتها الحضارية وعلاقاتها مع العالم الخارجي والمجتمع الدولي.

ولن أعيد هنا ماسبق أن كتبته وقاله سواي من الوطنيين، عن مفهوم الحسبة، وارتباطاتها وتفسيراتها في العصر الحديث.

لكن هناك ثلاثة أمور استوقفتني وكانت تتوارى في تلافيف أخبار حادثة الاعتداء على الأجنبي وزوجته السعودية :-

الأول :- أن المعتدى عليهما اتصلا بشرطة الأمن للحماية، ولكن الأمن عندما حضر ووجد أعضاء الهيئة قد باشرت تقهقر !! على اعتبار أن الهيئة تكفلت بالموضوع، فهل الهيئة جهة أمنية مهمتها الضبط والإيقاف ؟

وإن كانت كذلك أين لائحتها التنظيمية بهذا الخصوص؟ وكيف يتم التنسيق بينها وبين دوائر الشرطة، هذا إذا عرفنا من بعض الدوائر أن الشرطة تفضل عدم التشارك مع الهيئة في القضايا بسبب شراسة تعاملهم وفظاظة سلوكهم، والمفارقة هنا أن الشرطة في اليوم الثاني تداركت الموضوع بعد أن اتسعت دائرته إعلاميا وحضرت لتسأل عن سلامة المعتدى عليهما الجسدية.

إذاً هل يتخلى الجهاز الأمني عن مهمته الرئيسة وواجبه في حماية أمن المواطنين في الفضاء العام، لحساب الهيئة ؟ وهل الهيئة جهاز أمني ؟ لكنه لايتبع المؤسسات الأمنية، إذاً كيف يتم التنسيق بينهما بشكل يحقق مصلحة المواطن؟ وبين هذا وذاك فرجل الأمن، معروف بحياده واستقلاله وأمانته بينما نشر في محضر التحقيق مع أفراد الهيئة الذين تعرضوا للأجنبي وزوجته بأن هناك كذبا وتواطؤاً بين المتورطين بالحادثة للتضليل ولتغطية بعضهم على بعض، بشكل يجعل منهم خلية مغلقة على عيوبها منفصلة عن الجهاز الأمني، ولولا حياد أجهزة التصوير لكنا رأينا أمرا مختلفا في قضايا سابقة تتعلق بتلك الهيئة سواء في مطاردة الإخوة القوس وصولا للضحية الحريصي الذي قتل قبل سنوات في مداهمة لمنزله من قبل ذلك الجهاز. إلا يستحق هذا إعادة فتح ملفات التحقيق في تلك القضايا مجددا ؟

ولاننسى هنا الإشادة بالخطوة الايجابية التي قامت بها دوائر التحقيق فما يتعلق بجعل شهادة أعضاء الهيئة قابلة للجرح والتعديل، ولاتحمل صفة القداسة كما في السابق.

الأمر الثاني الذي استوقفني هو : أن الهيئة هي التي تخطئ إذا أصبحت هي جهة متهمة، ولكننا نفاجأ لاحقا بأنها هي التي تحقق مع الجناة الذين هم ضمن جهازها !! ومن ثم هي التي تصدر الحكم .. وأخيرا هي التي تعتذر، وإذا قامت بجميع المهام العدلية دونا عن الجهات التشريعية، إذن أين الحق العام ؟ أين تعويض الضرر الذي تعرض له المعتدى عليهما ؟

الأمر الثالث الذي يستحق الوقوف عنده : هو علاقة الهيئة مع محيطها كإحدى مؤسسات الدولة الرسمية، ومدى امتثالها لتوجهات وخطط تلك الدولة، ولاسيما ما يتعلق منها بتوظيف المرأة وإرادة مشاركتها وتمكينها في الخطط التنموية، بعد أن وضعت الهيئة على رأس أولوياتها تعطيل والتربص وكيل الاتهامات والتخوين لكل ما يتعلق بتواجد المواطنات في الفضاء العام، ولعل جزءا من العنف المفرط الذي استعمل ضد الأجنبي هو كون زوجته سعودية، وكأنهم هنا ينتقمون بشكل لاواع من الفتاة الجريئة التي تجاوزت وارتبطت بغريب.

في النهاية لابد أن نرفع السؤال عن دور الهيئة في الفضاء المتمدن الحديث ؟ فهل عضو الهيئة رجل أمن مستقل وحيادي مسؤول عن سلامة المواطن؟ ألا تحتاج الهيئة إلى إعادة هيكلة داخل مؤسسات الدولة ( لاسيما مع تنامي تيارات الإرهاب المسلح حولنا) وخطورة تموضعاتهم الحالية المستقلة دون أن يندغموا في مؤسسات الدولة الأمنية، أو مثلا هيئة الفساد، أو حتى مشاركة مفتشي البلديات، أو سواها من المؤسسات المتعلقة بالحسبة بشكلها الحديث الحضاري؟ 

نقلاً عن "الرياض"