لقمة المرأة

في لعبة التوازنات ما بين السلطة السياسية والتيارات الدينية كثيرا ما توظف المرأة كورقة ضغط أو تهدئة أو لقمة يُملأ بها شدقا تيار متطرف يملأ الدنيا صخبا وضجيجا.

وملف المرأة في هيكلية السلطة لايشكل محور ارتكاز أو ورقة ضغط، وليس خلف النساء لوبي قَبلي أو ديني يوضع في عين الاعتبار عند صناعة القرار، حتى رؤوس الأموال لاتبالي بالاشكاليات النسوية إلا بالقدر الذي تحتك به مع مصالحها واستقرار أسواقها، فبات ملفا متورما بحمولة ثقيلة مزعجة يدفع دوما إلى الهوامش والظل، على المستوى المحلي..

وحدها الرؤية الشمولية للملك الصالح هي التي أشرعت أمام المواطنة الكثير من البوابات المغلقة بأقفال الأعراف الصحراوية، واختزلت لها مسافات طويلة في مسيرة التنمية.

وفي هذا السياق كسبت وزارة العمل معركة الوطن التاريخية، واستطاعت أن تسترد أمواله من جيوب آلاف البائعين في المحلات النسوية، وتجاوزت الكثير من العواصف العتية ضد توظيف المرأة كان إحداها فتوى من سلطة دينية عليا.. حتى أصبح توظيفها حقيقة قائمة لامناص منها، وتيار الحياة الهادر لابد أن يكسب المساجلة ويفرض شروطه كالعادة.

وأعتقد أن جزءا كبيرا من نجاح وزارة العمل في ترجمة رؤية القيادة على المستوى التنفيذي هو السياسة البراجماتية التي اتبعتها والتي كانت تحرص فيها على عدم التورط بالمناطق الحساسة أو الاشكاليات الدينية قدر حرصها على توفير بيئة عمل آمنة تستوعب الموظفة وتحافظ على سلامتها. ولكن هل هذه الخطوات الوطنية النشطة جعلتها تتعب وتكبو.. وتستصدر قرارا اعتباطيا بخصوص.. تنقيب الموظفات؟

وهي بقرارها هذا قهقرت قضايا النساء العاملات إلى مجال المساجلات الدينية، بشكل يجعلها تخسر حيادها وإصرارها الذي التزمت به في السابق، لاسيما إذا ماعرفنا أن مسألة النقاب أو غطاء الوجه اشكالية نسبية تخضع لتفاوت الآراء الفقهية حولها، بل إن الالتزام بفتوى أحادية وفرضها على الجميع بصورة قانونية لتندرج ضمن الضوابط المهنية، قد يجعل بعض الموظفات ممن يلتزمن بفتاوى كشف الوجه ينكرن على الوزارة تقيدهن وإلزامهن بفتوى تعددت آراء المذاهب الأربعة حولها، وفي الوقت نفسه الذي تشير العديد من المذاهب الأربعة إلى أن فتوى النقاب أو غطاء الوجه قد تدخل به العرف الصحراوي بصورة كبيرة.

ومع قرار إلزامه ستتقهقر وزارة العمل عبر هذا إلى مناطق كانت قد تجاوزتها وحسمتها في السابق، وستقحم نفسها في اشكاليات دينية ومناطقية، وأخرى تتعلق باختلاف البيئات.

لنجد في النهاية بدل أن تنظم وزارة العمل دورات تدريبية مكثفة للعاملات، حول اللياقة والسلوك العملي المحتشم، وطريقة وضع الحدود بينها وبين الآخرين، نجدها هنا تغلق وجه الموظفة تحت باب سد ذرائع الفتن.. مغفلين أن الفضيلة هي قرار شخصي تتخذه المرأة لايتعلق بطريقة أرديتها.

قضية تنقيب وزارة العمل كبوة لجواد لطالما احترمنا قدرته على قطع الدروب الشائكة. 

نقلاً عن "الرياض"