هل لمخاض كوندليزا بقية؟

الفوضى الخلّاقة التي بشّرت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس في عهد الرئيس بوش الابن؛ هي آلام المخاض لشرق أوسط جديد؛ يكفي لمسؤول أميركي صغر أم كَبُر أن يضع عنواناً لتفكير في مستقبل الشرق الأوسط ليهب العالم العربي إعلامه وساسته مستفسرين بثورة أسئلة انطباعية واستفسارية سطحية، ما تلبث أن تبرد وتختفي خلف انعدام وجود مراكز للدراسات والتحليلات الاستراتيجية العميقة؛ انتهت حُمى تصريحات كوندليزا رايس بانتهاء نشرات أخبار العالم العربي وبرامجه الحوارية المُتعاكسة!

وشوش الحالمون بزعامة أميركا للعالم الديموقراطي الحُر بأن البشائر الأميركية بالمخاض الشرق أوسطي الجديد ستُفضي لانفراج بؤس الحكم المُستبد إلى عالم عربي ديموقراطي جديد؛ وتختفي معالم توابيت الانتخابات إلى صناديق الحرية والنزاهة؛ وتَحَرّك المهاجرون وزوار السفارات لتقديم أنفسهم مؤيدين ومؤازرين المخاض الأميركي الموعود!
اختفت كوندليزا عن المشهد السياسي الأميركي بعد فوز المرشح الديموقراطي باراك أوباما؛ ولكن مشروع المخاض بقي حيّاً ينتظر شارة البدء. حضر الخطيب المُفوّه إلى القاهرة وصفق له العربان لابن حسين، إلا الرئيس حسني مبارك امتعض وأحس بقرقعة قولونه العصبي، لم تُعجبه خطبة أوباما التبشيرية الملغومة بفتنة اليقضة وتحريك مياه مصرية راكدة على فساد الحزب الواحد!

تحرّك المخاض الموعود وانطلق في تونس، فكان الربيع اسم وعنوان المخاض اللقيط؛ اهتزت الخريطة العربية وتساقطت أنظمة خمس دول، وعندما صرخ وليد المخاض في درعا على الأرض السورية انطلقت صافرات إنذار الاستخبارات في تل أبيب وواشنطن، الآن بدأت عملية رسم مخاض الشرق الأوسط الجديد على أرض العراق، والمالكي وخامنئي هما بطلاً المشهد الطائفي.. وصلت الرسالة ووضع الإيرانيون شروطهم الآجلة للتفاوض على المقاطعة والحصار لأسباب برنامجهم النووي، وافق الأميركان بشرط دخول إيران في خطة المخاض!

بسرعة هائلة أصبح لدى الثوار على أرض سورية سلاح وعتاد ومؤن وأموال، وبرزت صور زعماء الثورة، الفرقة علامتها البارزة. هزم المالكي الجيش العراقي عنوة في الموصل ومزّقه أشلاءه، وطالب بالثأر من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما. حينها برز المخاض الأميركي على وجه نوري المالكي، وتردد الصوت في قم بخطب خامنئي!
أمسى العرب على إشاعة، وأصبحوا مذهولين على أرتال من البشر والناقلات والمعدات والأسلحة، الفلوجة والموصل أصبحت تحت سيطرة تنظيم طائفي جديد كما أعلن المالكي، ويطلب من بقية جيشه المهزوم الانسحاب، يهدد ويتوعد على شاشات التلفاز، والتهاني تنهال عليه من واشنطن وطهران بنجاح خطة مخاض الشرق الأوسط الجديد!

وفي يوم جمعة مباركة، اعتلى منبر أحد المساجد في الموصل رجل اعتمر العمامة السوداء، وأمسك العصا بيمينه، حتى المسواك كان في جيبه، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين ووالياً على تنظيم «داعش»!
دخلوا الأراضي السورية، وأصبحت الرّقة تحت سيطرة «داعش»؛ ياللهول صناعة دولة بهذه السرعة والإمكانات والعتاد والعُدَّة؛ الأفلام الأميركية الهوليودية يستغرق بعضها سنوات للإعداد والإنتاج والتصوير. الأخبار تتوالى أصبح عددهم عشرة آلاف أو يزيدون؛ بل 20 ألف، والآن يتحدثون في الغرب عن 40 ألف وقوة لا يستهان بها!
أكل بوتين طُعم زفّته للأراضي السورية، وتحرّكت الطائرات والمدمرات الروسية لإنقاذ نظام بشار الأسد فأسقطوا طائرتهم في سيناء، شاركت فرنسا في قذفهم بالطائرات فأوجعوها بمذبحة باريس وارتجفت أوروبا، عبرت طائرة حربية روسية الحدود التركية فأسقطها الجيش التركي، وكانت الرسالة واضحة الإشارة لروسيا!
أميركا مع الشرطي الدائم إسرائيل، والشرطي الموقت إيران، يتفرجون بحرص ومتابعة دقيقة لكل التفاصيل على مشهد مخاض الشرق الأوسط الجديد الذي بشرّت به كوندليزا رايس؛ فهل لا يزال للمخاض المؤامراتي بقية؟!

ربما رُسم للمخاض اسم الشرق الأوسط الجديد، وأهدافه تندرج لتصفية حسابات وصراع تقوده الولايات المتحدة الأميركية، لكسر شوكة عنفوان وطموحات بوتين الثائر لأمجاد الاتحاد السوفياتي القديم؛ ولتبقى أوروبا في مكانها من دون طموحات التفوق على أميركا!

بقلم: عبدالسلام اليمني - الحياة