المُلهِم.. محمد بن سلمان

القادة الأفذاذ يلهمون الآخرين بالإقدام على التغيير من واقع مرتبك ضعيف إلى إشعار الناس بقيمتهم وإمكاناتهم وثقتهم بأنفسهم، ويفجّرون بالقدوة والإرادة والمثابرة طاقات الإنتاج والإبداع الكامنة لديهم، ويجعلون منهم محط إعجاب الآخرين.

خلق الله البشر سواسية، وفَرْقُ من تقدّم من الأمم في الحضارة والعلم والمعرفة والاقتصاد هم أولئك القادة المُلهِمون الذين اعترفوا أولاً بالأخطاء، وقيّموا حالات الفشل وحوّلوها إلى فرص للنجاح، وخلقوا بالإقدام على المغامرة المحسوبة مجالات التجديد والابتكار، وبثوا في الأمم روح النشاط والتفاؤل الإيجابي، واختاروا القيادات التي تتمتع بالكفاءة والنزاهة، وأحدثوا حالات حراك جعلت الناس يعيشون أهداف الوطن ويتنفسونها بالأمل والثقة بالنفس.

والمملكة على أعتاب الإعلان عن برنامج التحول الوطني الضخم في أهدافه وبرامجه وتطلعاته، أُوجّه رسالتي إلى الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بصفته رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية، وقائد برنامج التحول الوطني، وأقول للأمير:

بما يتوافر لدى السعودية من طاقات بشرية شابة هائلة، وموارد مالية من الطاقة الأحفورية، ومكانة دولية فاعلة، باستطاعتك يا سمو الأمير أن تكون المُلهِم الجديد للتحديث والتطوير، وتضع لك تاريخاً مجيداً بين القادة المُلهِمين الأفذاذ، الذين قادوا بلدانهم لإحداث تحوّل استراتيجي عميق ومستدام، وضعها في مصاف الدول المؤثرة في العالم علمياً واقتصادياً وتجارياً.

السعودية يتوافر لها في الوقت الحاضر من الطاقات البشرية والموارد المالية الهائلة ما لم يتوافر للسيد بارك مؤسس نهضة كوريا الجنوبية الحديثة آنذاك، وكيف صعدتْ خلال خمسة عقود من حضيض الدول الفقيرة إلى مصاف الدول المتقدمة المؤثرة في العالم علمياً واقتصادياً، وحققت أرقاماً قياسية في النمو والازدهار.
وكيف نقل المُلهِم لي كوان يو، خلال ثلاثة عقود، سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول، والرئيس رجب طيب أردوغان المُلهِم الجديد لتركيا، الذي أذهل العالم خلال عقود قليلة بتحويل تركيا إلى قوة اقتصادية عالمية في الصناعة والزراعة والأعمال المصرفية والنقل والاتصالات.

أما القائد المُلهِم الدكتور مهاتير محمد، فبتجربته الفريدة حوّل ماليزيا خلال عقدين فقط من دولة بدائية تعتمد على الزراعة وإنتاج وتصدير المواد الأولية، إلى دولة صناعية متقدمة يسهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو ٩٠ في المئة.

وقال مهاتير مُتحدثاً عن تجربته: «تعلمت من التجربتين اليابانية والكورية حب الوطن، وحب العمل والمثابرة والإخلاص في الأداء، وثقافة الشراكة بين أصحاب العمل والعمال، والالتزام الكامل بالنظام والقوانين بلا هوادة»، وأكد أنه كلما كانت أخلاق العمل إيجابية وتقدمية، كما هي الحال في اليابان وكوريا الجنوبية، فإن النهضة تتحقق بسرعة فائقة. وذكر في حديثه عن تجربته التنموية البديعة، أنه لم يشعر بأي حرج في تبني أخلاق العمل عند الكوريين الجنوبيين، وأنه عمل على تطبيقها في المجال الماليزي، وكان صارماً جداً في ترشيد الصرف ومحاربة الفساد والإسراف والتبذير.

ولتوماس أديسون مقولة مشهورة: «العبقرية تتكون من ١ في المئة إلهاماً، و٩٩ في المئة عرقاً وتعباً». وأنت يا سمو الأمير، بقيادتك لبرنامج التحول الوطني تمتزج وتتفاعل مع جميع مكوّنات الاقتصاد الوطني، وتبث فيهم النشاط الإيجابي وروح التفاؤل، وتمسك بأدوات القوة النظامية للمحاسبة، وضعت الإلهام الجديد للوطن، وأمامك طريق مليء بالتعب والعرق، ليضع التاريخ اسمكم بأحرف من نور مع القادة المُلهِمين الذين أحدثوا ثورة التغيير والتطوير في دولهم، وليس أمام الجميع إلا العمل بجدٍّ وإخلاص مع سموكم الكريم، ومجلس الاقتصاد والتنمية، باعتباره فريق عمل واحداً لإنجاح أهداف برنامج التحول الوطني، لأن الفشل - لا قدّر الله - سيعيدنا إلى نقطة صفر أشد ألماً وأعمق إحباطاً.

وأرجو يا سمو الأمير، أن تحظى المقالة التي كتبها طراد العمري عن أزمة الإنفاق السعودي ومفاهيم أخرى، باهتمامكم وعنايتكم، لأنه نبّه إلى ثلاثة مفاهيم مهمة ستؤثر بشكل مباشر في برنامج التحوّل الوطني إذا لم تؤخذ في الاعتبار، وأضيف إليها مفهوماً رابعاً، وهو أهمية اختيار القياديين التنفيذيين الذين لديهم شغف كبير بالعمل والإنتاج وحب النجاح، لأن شغف القيادي هو المكوّن الأساس لتحقيق الأحلام والإنجازات.

أسأل الله جلّت قدرته أن يمنح كل من يعمل لأجل رقي وتطور وأمن واستقرار وطننا الغالي، القوة والتمكين والتوفيق والسداد.

بقلم: عبد السلام اليمني - الحياة