النفط في السّلة .. وعند الكاشير!

في الصباح الباكر، حرّك الدكتور المتقاعد أبو خالد مقود السيارة، وبدأ الحديث مع زوجته المُعلّمة. النّفط لخبط أوراق تحويشة العُمر يا أم خالد، محفظة الأسهم الاستثمارية هبطت أكثر من ٤٠ في المئة!
لم تسمع نصيحتي بالابتعاد عن سوق الأسهم، والاستثمار في مجال العقار، الله يعوض علينا،أنتِ تعرفين أنني لا أفهم في لعبة العقار، وكنت قبل تقاعدي مشغولاً في التدريس في الجامعة، ومجالات الاستثمار محدودة لمن يريد أن يركز على وظيفته بأمانة وإخلاص.

لا تشغل بالك، راتبي وراتبك التقاعدي سيكفيننا للصرف على أولادنا وأمور حياتنا، والحمد لله.
ولكن اعملي حسابك يا أم خالد، أن كل شيء تغير، والأسعار لن تكون كما كانت، وأمامنا طريق صعب لتأمين حياة كريمة لأولادنا.
لماذا تحمل همهم إلى هذه الدرجة التي تبعث على القلق؟

خالد تخرج من الجامعة، وراتبه ثمانية آلاف ريال؛ كيف يا أم خالد سيستطيع تأمين مصاريف الإيجار والزواج؟
وكيف سيكون حال ابننا ثامر، هل سيجد له وظيفة بعد التخرج من الجامعة؟
كنت أعقد آمالاً على استثماري في الأسهم؛ لتكون رافداً ومعيناً لأي طارئ.. ولكن!

في هذه الأثناء أوقف أبو خالد سيارته، وتوجه مع زوجته إلى «السوبر ماركت».
دفع أبو خالد سلة البضائع، وتولّت زوجته اختيار «مقاضي المنزل»، والانسجام واضح بينهما.
أخذ أبو خالد يراجع ويدقق في أسعار البضائع ويقارنها مع الأسعار التي دونها قبل رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء.
لفت انتباه أم خالد انهماك زوجها في تدقيق ومراجعة ومقارنة الأسعار مع مدونة يحملها في يده، وقالت له هامسة، كأنك تقوم بدور وزير التجارة والصناعة؟
أجابها على الفور، إنه دهاء التجار يا أم خالد.

كلامك يعني أن هناك زيادة في الأسعار؟

نعم يا أم خالد، ولكنها زيادة مُتدرجة، بدأت بـ50 هللة، وهنا يكمن الدهاء، لن يشعر بها الناس ولا الأجهزة الرقابية وربما، بل المؤكد ستلحق بها زيادات أخرى بهدوء لتلافي ردود الأفعال.

أكيد يا أبا خالد، عندما تزداد على التجار أسعار الكهرباء، والماء، والوقود، سيرفعون الأسعار لضمان هامش الأرباح.
ولكن يا أم خالد، المواطن والمقيم هم من سيدفعون الثمن، لأن الرواتب بقيت كما هي؟!
صحيح يا أبا خالد، الله المستعان.

مَرّا على الركن المخصص لبيع الأسماك، وأشار أبو خالد لزوجته بالتحرك قائلاً: معقول كيلو سمك الهامور بـ٩٨ ريالاً؟!
استكملت أم خالد حاجاتها من «المقاضي» وهي تنظر إلى ورقة بيدها دوّنت فيها ما تريد.
توجّها إلى «الكاشير»، وفي لحظة الانتظار، وصلت لأبي خالد رسالة على هاتفه المحمول من صديق له: الحق يا أبا خالد، سوق الأسهم نازل ٢٠٠ نقطة، والنفط كسر حاجز الـ٣٠ دولاراً للبرميل.

تلوّن وجه أبي خالد، وبادرته زوجته بالسؤال، خير إن شاء الله، لماذا حال الانقباض تبدو على وجهك؟
أبداً يا أم خالد، رسالة من الصديق أبي سامي عن سوق الأسهم.
أخضر أم أحمر؟

أحمر أدمى محفظتي..!!
دفع أبو خالد ١١٥٧ ريالاً قيمة «المقاضي»، وهمس لزوجته قائلاً: رائحة النفط في السّلة وعند الكاشير.
احتفظت أم خالد بالعبارة، وسألت رفيق عمرها عن المعنى؟
يا سلوى وبلسم متاعبي، روائح النفط تعُج في وطني، البدوي في الصحراء، والفلاح في مزرعته، وأستاذ الجامعة، والمعلم، وصاحب المتجر والمصنع، والرياضي، والفنان، والمسؤول، والأم، والفتاة، الجميع يسأل عن أسعار النفط.

كل ما أخشاه على الأجيال القادمة أن تتكرر أخطاؤنا في استثمار العائدات النفطية.
النفط نعمة عظيمة وهبها الله لهذه الأمة، ولا زلنا على رغم مرور أكثر من ٧٠ عاماً نرتجف من الخوف والقلق عندما تهبط أسعاره؛
وكأن مستقبلنا معلق بالنفط.

حقاً إن الوطن ربما يواجه الفرصة الأخيرة لاستثمار عائدات النفط لتنويع وتوسيع مصادر الدخل، وأرجو مخلصاً أن تكون الإرادة هذه المرة حقيقية من دون تردد أو تراجع.
أخّفتني يا أبا خالد، وبعد دخولهما المنزل، هرولت أم خالد باتجاه جهاز التلفاز تتابع حركة سوق الأسهم.

بقلم: عبدالسلام اليمني - الحياة