استشراف المُستقبل بأحزمة ناسفة..!

المُصلون سجداً لله في أفضل يوم طلعت عليه الشمس، شاب توشّح اللباس الأبيض من رأسه إلى أخمص قدميه، الهوينى كان يمشي، هل صلَّى الجمعة أم لم يُصَلِّ، مُفتي الديار الداعشية لديه الخبر اليقين، وقار المُعتقد بالحزام الناسف نَظَّم حركة الشاب وكأنه يمارس حركة اصطفاف عسكري، تُرى بماذا كان يُتمتم، وكيف تراءى له مشهد المصلين سُجداً، أم كان مُغمض العينين وممسوخ التفكير وميت الضمير؟! ما هذه القوة الهائلة التي سيَّرت الشاب، ومن هو المُفكر البارع الذي فكك جينات العقل وزرع الألفة والانسجام والرِّضا بين شاب وحزام ناسف؛ ليقتل أنفس حرّمها الخالق، جَلَّ في علاه ، وهل نحن أمام تاريخ جديد لاستشراف المُستقبل بأحزمة ناسفة؟

يُروى عن العالم المصري الجليل الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أنه قال:
كُنتُ أناقش أحد الشبان المُتشددين، فسألته: هل تفجير ملهىً ليلي في إحدى الدول المسلمة حلال أم حرام؟
فقال له الشاب: طبعاً حلال وقتلهم جائز!
فقال له الشيخ الشعراوي: لو أنك قتلتهم وهم يعصون الله ما هو مصيرهم؟
قال الشاب المُتشدد: النار طبعاً.
فسأله الشيخ الشعراوي: الشيطان أين يريد أن يأخذهم؟
فقال الشاب: إلى النار طبعاً!
فقال له الشيخ: إذن تشتركون أنتم والشيطان في الهدف نفسه، وهو إدخال الناس إلى النار!
وذكر الشيخ الشعراوي للشاب المُتشدد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما مرت جنازة يهودي، أخذ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يبكي. فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: نفس أفلتت مِنِّي إلى النار.

وأضاف الشيخ الشعراوي - رحمه الله - في حديثه مع الشاب، لاحظ الفرق بينكم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يسعى إلى هداية الناس وإنقاذهم من النار، فأنتم في وادٍ والحبيب عليه الصلاة والسلام في وادٍ آخر!

وأنا أتساءل: عندما خرج الشاب المُتشدد بعد الحوار مع الشيخ الشعراوي ،لنفترض أنه اهتدى بحجة الشيخ، كيف وجد المشهد الخارجي في مصر أو غيرها من الدول العربية؟ هل تلقفته بيئة حاضنة للعدالة والنزاهة والفرص المتساوية؟ وهل تنفس ببصيص أمل، أم أن صفعات الإحباط أعادته إلى نقطة الصفر ومسحت جُهد الشيخ وكان مُفتي ديار الإرهاب بانتظاره؟

نعم الغاية لا تبرر الوسيلة، ولكن الغالبية في عالمنا العربي والإسلامي يتحدثون ويتساءلون - بهرج ومرج - عن اختطاف الدين الإسلامي، يبحثون في الأسماء والمؤامرات الخارجية ويتجاهلون البحث لمعرفة أركان الأسباب الحقيقية، وإذا صدح بها بعض «الصرحاء» من القوم فإن مكانها وتأثيرها لا يتعدى برامج أو نشرات أخبار، أو خطباً للتنفيس في أروقة برلمانات ولدت ميتة في أحضان أنظمة حاكمة!

حملت ثورات التغيير في الربيع العربي فرصاً تاريخية للدول العربية؛ لوأد التطرّف والإرهاب وقطع الطريق على تعميم النموذج العراقي المُخضّب بسموم الطائفية والكراهية «لو» أُحسن استثمارها؛ لإحياء الصندوق الانتخابي النزيه، المُوجّه للتدافع بين المتنافسين على برامج ومشاريع النهوض بالأمة، واليوم نعيش نتائج إعادة التاريخ إلى الوراء، وعلى نفسها جنت بنو يعرب! هل يمكن استشراف مستقبل زاهر للعالم العربي، بعقلية عسكري أو طائفي أو ديكتاتور؟ وهل يمكن هزيمة «داعش» وتصهين الأحلام الطائفية الفارسية، ونحن نعيش أعظم نكبة أصابت العراق، ومصر، وسورية، واليمن، وليبيا، ولبنان، وفلسطين، وحولها دول تترنح بين القض والقضيض؟!

المبدأ الأساسي الذي ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي التقيد به هو حشد جميع الوسائل التنظيمية والعسكرية والشعبية؛ تأهباً لمواجهة أسوأ الاحتمالات، وتجنب حال الاسترخاء بالنّهُوض باتحاد خليجي قوي ومتماسك، وإذا لم يصنع حكام الخليج هذا الاتحاد في هذه اللحظة التاريخية الخطرة جداً، فلن تقوم له قائمة في المستقبل.

* نقلاً عن صحيفة "الحياة"