مدينة الملك عبدالله للطاقة في المُعتَقل البيروقراطي

 اقتحمت أبواب القمة العالمية لطاقة المستقبل ٢٠١٥ قبل أن تبدأ، وأنا على متن طائرة الخطوط الإماراتية المتوجهة إلى أبوظبي الأسبوع الماضي، كانت صحيفة «الخليج» سخية في تقاريرها عن طاقة المستقبل قبل يوم من افتتاحه، يكفي المُهتم أن يقرأ تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) ٢٠١٤؛ ليعرف إلى أين وصلت أبحاث وصناعة الطاقة المتجددة على مستوى العالم؟ فماذا يقول تقرير الوكالة الدولية؟ سأذكر أهم مفاصله.

- انخفضت أسعار وحدات الطاقة الكهروضوئية بنسبة ٧٥ في المئة من عام ٢٠٠٩، ومازال هذا الانخفاض مستمراً، وتُعد نظم الطاقة الكهروضوئية السكنية اليوم أقل كلفة بنسبة ٧٠ في المئة، مقارنة بما كانت عليه في عام ٢٠٠٨.

- بين عامي ٢٠١٠و٢٠١٤، انخفض إجمالي تكاليف نظم الطاقة الكهروضوئية على نطاق المرافق الخدمية ٦٥ في المئة، وتوفر هذه النظم الكهرباء مقابل ٠.٠٨ دولار/ كيلوواط ساعي، من دون الحاجة إلى الدعم المالي، كما أن انخفاض الأسعار يجعل منه خياراً مطروحاً بالتزامن مع تراجع تكاليف التمويل، وقد انخفضت تكاليف هذه المشاريع إلى مستوى الكهرباء المولدة بحرق الوقود الأحفوري في الصين وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية.

- تنخفض أسعار الطاقة الشمسية بسرعة في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما مع إقرار مناقصة أخيراً في دبي لتهبط التكاليف إلى ٠.٠٦ دولار/كيلوواط ساعي.

- أصبحت مشاريع الطاقة المتجددة حول العالم، مكافِئة للوقود الأحفوري أو حتى أفضل أداءً منه، ولاسيما من حيث العوامل الخارجية مثل التلوث البيئي المحلي، والبصمة البيئية، والضرر الصحي. لقد تغيرت قواعد اللعبة، إذ يوفر انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة فرصة تاريخية لإنشاء منظومة للطاقة النظيفة والمستدامة، وتلافي التداعيات الكارثية لظاهرة تغير المناخ بأسلوب منخفض الكلفة. «هذا ما تسمح به المقالة؛ لنقل أهم ما ورد في تقرير الوكالة الدولية «آيرينا».

تقاطر قادة الطاقة من مختلف دول العالم على مدينة أبوظبي، وكانت حفلة الافتتاح مهيبة ولائقة بطاقة المستقبل النظيفة والمستدامة، والتي أسعدت أكثر من بليون إنسان يعيشون الحرمان من نعمة الكهرباء، وتبشر البشرية ومن يعيش على كوكب الأرض بطاقة ستغير معايير القلق العالمي من التلوث، وحددت الأبحاث المتسارعة آفاق مصادر الطاقة للحاضر وللأجيال المقبلة بتقنيات وأسعار ميسّرة وسهلة الاستخدام.

انتقل الحشد الكبير إلى ساحة المعرض، الذي كان مزهواً بثورة تقنيات وأنظمة وأساليب الطاقة المتجددة، وأكثر ما شدّني وأسعدني كثيراً أن التطورات الجديدة في الصناعة لم تَعُد حكراً على أحد.

الصينيون فجّروا إمبراطوريات الاحتكار وإلهامهم الإبداعي رحمة للبشرية. الطائرات البرازيلية الصّنع تُحلّق في الأجواء. والسيارات الرومانية تغزو الأسواق. وفى معرض طاقة المستقبل كان المجال مفتوحاً على مصراعيه للشرق والغرب؛ للتنافس الهائل على تقديم تقنيات الطاقة المتجددة، وهذا ما يُبشّر بخير وفير لطاقة المستقبل.

في خضم الإعجاب باندفاع دولة الإمارات، وإمارة أبوظبي على وجه الخصوص، نحو الاستثمار السريع والواسع في الطاقة المتجددة، وسهولة وانسيابية اتخاذ قرارات تتجه نحو المستقبل؛ فاجأ الدكتور هاشم يماني رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، الحاضرين للقمة العالمية لطاقة المستقبل، بخبر لم يكن متوقعاً للحضور على رغم أنه كان واضحاً للعارفين ببواطن الأمور.

نقلت وكالات الأنباء العالمية باهتمام شديد قول الدكتور هاشم يماني: «إن خطط السعودية لبناء محطات تعمل بالطاقة النووية والشمسية ستتأخر نحو ثمان سنوات عن موعدها، وأن الخطة التي كانت تتطلع إلى 20 عاماً على أن يكون عام ٢٠٢٣ المعلم الرئيس للتخطيط على الأجل الطويل، تم تعديلها أخيراً ليتم التركيز على عام ٢٠٤٠ كمحور للتخطيط في مجال الطاقة بالسعودية على الأجل الطويل، ولم يذكر الدكتور هاشم يماني أسباب ذلك.

وذكر رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة أنه على رغم مبادرة الحكومة السعودية التي تهدف إلى ترشيد الطاقة، فإنه من المتوقع أن يتجاوز الطلب على الكهرباء في المملكة ١٢٠ غيغاوات بحلول عام ٢٠٣٢.

وتناقلت وكالات الأنباء العالمية الكلمة باهتمام واسع، وغالبيتها خرجت بعنوان واحد: «السعودية تُرجئ خططاً لمشاريع كهرباء الطاقة النووية والمتجددة».

السؤال الذي يثار في خضم اهتمام الحكومة السعودية (المُذاع والمنشور) بترشيد استنزاف الوقود الأحفوري المكافئ: ما الذي عرقل خطة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة؟ وما الأسباب التي أدت إلى تأجيلها حوالى ٢٠ عاماً؟ وكيف سنواجه التبعات الاقتصادية المترتبة على هذا التأجيل الطويل وغير المبرر؟ ولاسيما بعد انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة ٧٠ في المئة عما كانت عليه قبل حوالى ستة أعوام.

ملف الطاقة الذرية والمتجددة، المركون في دهاليز بيروقراطية اللجان والتردد والاجتماعات المُملة، يحتاج إلى قرار سريع من السلطة العليا في البلاد لدفعه إلى الأمام، حتى نستطيع أن نواجه بشجاعة ومسؤولية استنزاف الوقود الأحفوري المتسارع محلياً، الذي سيوُصلنا قريباً إلى معادلة مؤلمة «ما ننتجه من النفط سنستهلكه»؛ وحتى لا تبقى مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة «كَفَّارَة» نتزيّن بها للاستهلاك في المؤتمرات والمناسبات، وعلى أرض الواقع وضعت في المُعتَقل البيروقراطي الجبري.

نقلاً عن جريدة " الحياة"