«شارلي إيبدو» في فكر ميشال أونفري

أنتم المستفزّون يا جماعة «شارلي إيبدو». أنتم العنصريون. أنتم المُتهكّمون بجهل الرسوم والكلمات؛ لماذا تسيئون إلى رسولنا الكريم -عليه الصلاة وأتم التسليم-؟ وما أهدافكم من الإساءة إلى الأديان السماوية؟ ولماذا تستفزون مشاعر المسلمين بنشر الصور المسيئة إلى دينهم وعقيدتهم؟ ومن أجل مَنْ تزرعون بذور الشك والحقد والكراهية؟ اخرُجوا من جحوركم المظلمة بالجهل وتدمير المشاعر، إلى نور التسامح والعدل والسلام. الحضارة الشرقية والغربية المتحصنة بالعلم والثقافة والمعرفة تنبذكم، وتنبذ تصرفاتكم الهوجاء. أنتم طابور إفلاس إعلامي، ولستم من جيل القائد الفذ شارل ديجول، ولا المفكرين الفرنسيين العقلاء أمثال عالم البحار جاك كوستو، والرسام والمفكر الفرنسي إيتان دينيه، والعالم الفرنسي الدكتور موريس بوكاي. للأسف لم تقرأوا قصة إسلام المفكرين الفرنسيين، روجيه غارودي، وليون روشي.

سقوطكم يا جماعة «شارلي إيبدو» في براثن الكلمات الشاذة والرسومات المسيئة أوصلكم إلى حمام الدم، ووضع بلادكم تحت مجهر العنف والتطرف والإرهاب؛ وأنتم اليوم تجنون مرارة أرباح مبيعات شهرة التعصب والجهل بقدسية عقائد الشعوب ودياناتهم. أنتم محسوبون على البشر عدداً، لكنكم ميتون في الثقافة والأخلاق السامية.

علّق فيلسوفكم المستنير ميشال أونفري في مقابلة على قناة تليفزيونية فرنسية بعد الحادثة على أفعالكم المشينة قائلاً: «لماذا نذهب إلى بلدان المسلمين ونتدخل في شؤونهم ونقول لهم يجب أن تتبعوا منهج فرنسا؟ ولماذا نقتلهم في مالي كما قتلنا قبل ذلك في بلدان شمال أفريقيا، وإذا ما دافعوا عن أنفسهم نتهمهم بالإرهاب؟

المسلمون ليسوا مغفلين كما يظن الجميع في فرنسا وأوروبا والعالم، هم فقط يجتاحهم بعض الضعف، وردُّ فعلهم يكون عنيفاً وعادياً؛ لأن ما نفعله بهم في بلدانهم أخطر بكثير من قتل عشرة أشخاص، فنحن نقتل منهم المئات يومياً؟

سؤال أطرحه عليك: (يتحدّث مع مقدم البرنامج الذي كان يتهم الإسلام): لماذا لا تذهب فرنسا إلى إسرائيل أو الصين أو كوريا أو اليابان أو ألمانيا من أجل أن يتبع قوم تلك البلدان منهج فرنسا؟ ولماذا نختار دولاً ضعيفة مثل مالي وليبيا والنيجر وأفريقيا الوسطى؟
المشكل ليس مشكل إسلام بل هو مشكل عنصرية، ويجب أن نعترف أننا - أي الفرنسيين - عنصريون في حادثة «شارلي إيبدو». (على حد قول الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري)؛ وقال أيضاً: لماذا لم تقل الحكومة الفرنسية للصحافيين توقفوا عن الإساءة إلى رسولهم في حين قالت للرسامين أنفسهم لما رسموا عن شعار اليهود أنه فعل مخجل لكم، اعتذروا لإسرائيل؟!»

ويتساءل الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري؛ لماذا ديودوني مُنعت مسرحيته من العرض، وقد دين أمام المحكمة العليا الفرنسية بتهمة معاداة السامية، إلا لأن مسرحيته تستهزئ باليهود.. لماذا أجبني (يوجه السؤال لمقدم البرنامج المتأبط شراً ضد المسلمين)؟
ويستطرد أونفري قائلاً: نحن مسيحيون، هيا نستهزئ بالمسلمين واليهود معاً؛ لماذا المسلمين فقط؛ ولما يتعلق الأمر باليهود فنحن نعادي السامية؟

وقال أيضاً لا فُض فوه: «لا تكذبوا على أنفسكم وكأننا مظلومون، ترسمون نبيهم الذي هو قدوتهم في أوضاع مشينة، وندّعي بعدها أنها حرية تعبير. لا، لا معذرة، ولكن الأمور لا تسير هكذا؛ لأننا بهذه الطريقة سنكون شعباً منافقاً». انتهى حديث الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري، الذي نقلتُه كما قرأته مترجماً إلى اللغة العربية من مصادر أحسبها موثوق بها.

أقول لك ياميشال أونفري، أيها الفيلسوف الفرنسي المسيحي الحكيم، إنني أُعلن احترامي وتقديري ومحبتي لك وإعجابي بحكمتك وثقافتك ووعيك، وأُعلن من خلالك صداقتي المتوشحة برايات السلام والتسامح لبلادك فرنسا؛ نعم أيها الفيلسوف القدير؛ لسنا إرهابيين ولا مجرمين ولا قطاع طرق؛ رسولنا محمد -عليه أفضل الصلاة والتسليم- هو قدوتُنا ومُعلّمنا المحبة وطيب الفضائل والصفات الحسنة، والبشرية لهم قدسية عظيمة تحمي أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وهذا ليس اجتهاداً بشرياً، بل أمر رباني عظيم له وجوب الخضوع والتسليم والاستجابة.

لقد وقع ظلم وقهر عظيم على بلدان العرب والمسلمين عبر التاريخ، من الاستعمار إلى نهب الثروات والقتل والتدمير، وبعدها فتح العرب والمسلمون بصفة عامة بلدانهم للتسامح والسلام ونسيان الماضي على رغم تكبدهم خسائر في الأرواح والممتلكات، لم يشد لها التاريخ مثيلاً، وعلى رغم كل هذا استمرت الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة الأميركية في استفزاز مشاعر المسلمين، والوقوف سراً وعلناً بالدعم والمساندة للكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينية، المرتكب لأفضع الجرائم والمذابح.

واليوم أيها الغرب المُتحضّر تنطلقون من حرية التعبير «المختزلة» للإساءة إلى أسمى وأعظم مراتب السمو والاحترام والقدسية لدى المسلمين. لو قرأتم تاريخ وسيرة الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وكيف كان يعامل الخصوم قبل الأصدقاء لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً. كفوا عن هذه المهاترات والخزعبلات الطائشة الممجوجة بالعنصرية والمبطنة بالكراهية حتى نقف معكم صفاً واحداً ضد الإرهاب العنصري الحاقد. أنتم خاسرون بتأجيج هذه الحرب العقائدية الفاشلة ضد المسلمين؛ لأنها لن تبقي ولن تذر على البشرية جمعاء.

نقلاً عن جريدة " الحياة"