أسوأ ما يمكنك فعله هو لا شيء.. يا سيد أوباما

غادر الرئيس الأميركي باراك أوباما الرياض قبل ساعات من الحدث التضامني العالمي الهادف إلى دعوة سكان العالم للحفاظ على الطبيعة وحماية البيئة وترشيد استخدام الطاقة: ١٥٠ دولة، وأكثر من سبعة آلاف مدينة حول العالم تضامنت، للمشاركة في هذا الحدث العالمي. وكم أتمنى أن يُفكّر الرئيس الأميركي - وهو في رحلة العودة إلى بلاده - في الفرق بين مدن ينعم سكانها بالرفاهية وينشدون المزيد، مفاتيح الطاقة بأيديهم وتحت إرادتهم، وبين مدن يعيش سكانها في ظلام القهر وتخضبت أراضيها بدماء الأبرياء.

تسخير قوة العقل خلال أوقات ذروة الأزمات يجعل العالم ينظر إلى القائد الشجاع إلى أنه على أهبة الاستعداد وليس مسترخياً. دماء الأبرياء، يا فخامة الرئيس، ليست ماءً رقراقاً، ولم تكن يوماً لعبة إبداع عالمية، وأسوأ ما يمكن فعله من القائد الاسترخاء والانكفاء إلى الخلف، وقد قال سلفُك الرئيس الأميركي روزفلت: معرفتك لما هو صحيح لا تعني الكثير، إلا إن كنت تفعل ما هو صحيح.
في أي لحظة من القرار أفضل ما يمكنك فعله هو القيام بالأمر الصحيح. وأسوأ ما يمكنك فعله هو لا شيء.

عالم الحرية والعدالة يسألك، يا فخامة الرئيس: هل استرخاؤك على مشاهد مجازر النظام السوري الوحشية ضد الأطفال والشيوخ والنساء يندرج ضمن قناعاتك بأن ما تقوم به هو الأمر الصحيح؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فإن أسوأ ما يمكن فعله هو أن تكون في موقف المتفرج، أو هو لا شيء، كما قال الرئيس الشجاع ثيودور روزفلت.

ها هم سكان العالم، يا فخامة الرئيس، يعلنون تضامنهم مع كوكب الأرض في ساعة رمزية لحمايتها من التلوث وهدر الطاقة، فماذا تراهم فاعلين وهم يسمعون صراخ الأطفال في سورية، وعذاب النساء والشيوخ؟ كيف تتصور موقفهم وصور المذابح البشعة تتوالى أمام أبصارهم؟

إن شعوب العالم تبحث عن الولايات المتحدة الأميركية، من اختطف موقفها وإرادتها؟ ومن الذي دجّن سياستها وتاريخها وجعل رئيسها مسترخياً ومستسلماً - على رغم يقينه بالأمر الصحيح - لمصالح سيسجلها التاريخ أنها قامت على جثث الأبرياء؟

انتفض بوتين وهبت روسيا للسيطرة على جزيرة القرم، ضارباً عُرض الحائط بعلاقاته مع الغرب، وهي لم تشهد قتلاً ولا ترويعاً بشعاً كالذي يقوم به نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، فماذا تريد، يا فخامة الرئيس باراك أوباما، مسوّغاً أكثر وأشد قانونية وإنسانية من القتل والتدمير وانتهاك الأعراض والتشريد؟ وهل جلْب المصالح لأميركا مقدم على درء مذابح النظام السوري؟ إذا كان كذلك فإننا نعيش في عالم تحكمه شريعة غاب المصالح، وتلك مصيبة قيم وأخلاق.

أثبتت الأحداث عبر التاريخ أن نظرية المصالح الظلامية وأهدافها تتعارض أو أنها ألدُّ أعداء القيم والأخلاق وانتهاك القانون.

هكذا فرضها وعبّر عنها قولاً وفعلاً الأقوياء، بعنوان المصالح الأميركية الاستراتيجية مع إسرائــيل، قتل الشعــب الفلــسطيني وسُلبت أرضه وحقوقه التاريخية، ودمّر العراق واستبيح أرضاً وحضارةً بالتفاف أميركي - إيراني، والآن العالم لا يمكنه فعل أي شيء لإنقاذ الشعب السوري من مذابح نظام ظالم، تحت غطاء المصالح الدولية الظلامية.

ليس هناك مأساة وجريمة أعظم وأكثر ألماً وتأثيراً، من أن تتجمّد الإرادة وقوة العقل، وتتحطّم المبادئ والقيم، من أجل مصالح تنشأ على جثث أبرياء.

كم هي مأساة أن تتباهى دولة بأرقام نمو وازدهار اقتصادي وهو ملوّث - جراء جرائم فعل أو صمت - بدماء أبرياء! نعم هم انتصروا في التلاعب بالقانون والأعراف المنظمة لحياة البشر، ولكن عذاب تأنيب الضمير سيلاحق أبطالها، وسيكون حساب الخالق - جل في علاه - عند قيام الساعة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

أرجو أن تكون، يا سيد أوباما، وأنت من رضع تاريخ المعاناة، وشرب القانون علماً وثقافة، قد وعيت درس الصدام بين المصالح وبــين المبادئ والقيم وأبسط حـــقوق الإنسان في العيش، كــما يطالب به الشعب الــسوري. ســينكشف لك غطاء الخداع الإيــراني، وستندم يوماً بعد أن تــعرف حقيقة الاستراتيجية الطــائفية الإيــرانية التي تنافح من أجلها، في البحرين واليمن ولبنــان والــعراق، وتزرعه وتسقيه بدمــاء الأبرياء في سورية.

نقلاً عن "الحياة"