هل أتاكم حديث الخليج؟

وخز الإبر الإيرانية المسمومة مزّق العراق أمةً وتاريخاً وحضارةً. الجبهات العربية مفتوحة على مصراعيها.

تحرّكت سيارات الإسعاف الإيرانية تحمل مزيداً من الإبر المسمومة صوب لبنان واليمن والبحرين، ثم نقلت براميل الكراهية إلى سورية. الضحكات الإيرانية تتوالى. المآسي العربية تتداعى. الديبلوماسية الأميركية أنهكتها الفوضى العربية، فتلقفتها ابتسامة تكتيكات الخبث السياسي الإيرانية.

أين العرب؟ بعد البحث والتحرّي وجدناهم ممزقين يتصارعون في وسائل الإعلام.

قناة أكبر من دولة تُسابق الريح في توزيع المآسي العربية، بل وتنشرها بلغات أجنبية، وقنوات تصارعها - كما تقول - من أجل تفكيك إمبراطورية شرّ وافدة لسانها عربي، تدفعها أموال نفطية، هويتها مذهّبة تنفجر من مياه الخليج. بريق المال جذّاب.

الحكمة وحدها تُمزّق أوراق المراهقة السياسية والتلاعب بالمقدرات والثروات، من أجل نجومية أو تصفية حسابات. الشعوب العربية تنظر إلى منطقة الخليج ملاذاً وملجأ لتميزها بنعم الاستقرار والأمن والرخاء، حافظت على التماسك والتنمية على رغم هزّات حربي الخليج الأولى والثانية، وحتى في ظل الأطماع التوسعية الإيرانية، وعاصفة «الربيع العربي» التي غمرت الأمل بالإحباط.

لماذا فجّرت قطر منطقة الخليج؟ وما الذي يدفعها إلى المخاطرة حتى تتبنى قضايا عربية وإقليمية ودولية تفوق حجمها وقدراتها البشرية؟ وكيف أصبحت الدوحة مدينة جاذبة لمعارضين ومنظمات من كل حدب وصوب؟

أصابني عجز الإجابة عن هذه التساؤلات، كلما جمعت إجابة سؤال ذابت على حدود قاعدتي العُديد والسيلية الأميركيتين اللتين تستضيفهما دولة قطر، والسبب أن دول مجلس التعاون جميعها ترتبط بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية.. فكيف يمكن استيعاب الثورة القطرية الإعلامية والسياسية المغضوب عليها خليجياً وعربياً في ظل وجود عسكري أميركي على أراضيها في شكل أشبه ما يكون بالاحتلال؟

هل سمحت قطر بأن تكون ألعوبة للسياسة الأميركية، للضغط على دول الخليج ودول عربية، لتمرير أوراق القلق والفوضى، وتبقى الولايات المتحدة الأميركية اللاعب الرئيس والمتحكم في مسار الأحداث؟ ولماذا تزامن الرفض القطري للإجماع الخليجي في مؤتمر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الأخير مع جهود تُبذل لتحقيق الاتحاد بين دول المجلس؟ وهل نفهم من هذا الموقف القطري أنه يترجم رغبة أميركية في إجهاض مشروع الاتحاد؟ ولماذا غضّت أميركا الطرف عن مساندة قطر لإيران مالياً من خلال بيع غاز المشروع المشترك بينهما في الأسواق الدولية؟

أميركا تسمع وترى كل شيء يحدث ويصدر في قطر، وآلاف جنود القوات الأميركية الجوية والبرية في قاعدتي العُديد والسيلية مرفهون بالسيطرة على ما لا يحتاجون إليه من معلومات، وهذا ليس في قطر فقط، بل في منطقة الخليج في شكل عام، ولكن في قطر نرى غرف عمليات عسكرية وسياسية وإعلامية.. فهل يمكننا القول «فتّش» عن الأميركيين؟

يمكن أن نستنتج من ثورة هذه الأسئلة أن دول مجلس التعاون تُحمِّل القيادة القطرية أكثر مما تحتمل، ربما تكون تورطت بالقاعدتين وما تبعهما من تفاصيل معاهدات وأصبح لا حول لها ولا قوة، ومن ثم قد تحتاج إليكم، للوقوف بجانبها أكثر من مقاطعتها.

أقول ربما، وتبقى الحقيقة في ملفات سرّية قد تكشف عنها «ويكيليكس» في يومٍ ما. ما نشهده اليوم من تمزّق المواقف الخليجية سياسياً واقتصادياً وأمنياً هو نتيجة لتخبطات خمسة عقود، كل دولة تشعر بالخوف وعدم الاطمئنان من جاراتها تلجأ إلى رهن مواقفها ومواردها وأمنها القومي إلى دولة أجنبية من أجل الحماية والدفاع عنها. خُدعت الشعوب الخليجية بابتسامات المسكنات، وقطر الأسبوع الماضي أنهت زمناً ضاع في الزّمن. ربما تراه الغالبية شراً، لكنني أراه خيراً، وستكون قطر أكبر الخاسرين ليس بسبب سحْب السفراء، ولكن لأن الحقائق التاريخية ستكون موجعة، ولا أزال أرى أن هناك تداعيات خطرة ستظهر على السطح، وبيان مجلس الوزراء القطري كان ذكياً خرج من حال الارتباك.

ربما بدأ قطريون فطنوا للب القضية بتعليق حكمة على جدران دواوين متخذي القرار: «رحم الله امْرَءاً عرف قدر نفسه». هكذا طبقتها سنغافورة ودخلت العالم الأول، ونسيتها أو تناستها قطر.. فكيف ستكون النتائج؟
 
نقلاً عن "الحياة"