وكالة... «واتساب»

هذه الوكالة بمثابة آخر إصدار، أو هي التحديث الجديد للوكالة المحلية الشهيرة «يقولون». لعبت هذه الوكالة في عقول العامة، وزودتهم بما يعتقدون بأنه ثقافة مشجعة محفزة صانعة للفارق، وقدمتهم بوصفهم متحدثين رسميين عن كل الأجهزة، وعابرين للأحداث والأمكنة بسرعة البرق. عيب الوكالة الرئيس أنها سيدة ترويج الإشاعات والأكاذيب والقصص المختلقة، وتقديمها في قالب مقروء، ثم توزيعها في غمضة عين.

الفراغ وحب الاستطلاع والفضول وافتتاننا الطفولي بنقل الأخبار، وشغفنا بأن نكون أسرع المصادر الخبرية، والحائزين على قصب السبق، تصطف جميعها سوية على خط واحد لتدعم هذه الوكالة التكنولوجية، وتجعلها على هرم القائمة المزودة للمواطن بما يشعل أي مجلس، ويملأ النقاشات اليومية، فيجعلها ساخنة مُشْغِلَة ممرِّرة للوقت.

شخصياً، أرى أن أي شخص يتواصل معي عبر هذه الوكالة من خلال الفعل الترويجي لما ليس له أساس من الصحة، لديه صداقة متجذرة مع الفراغ العقلي والوقتي، وأنا أحظى بهامش من الأصدقاء امتهنوا هذا الدور، واعتادوا أن يكونوا خير من يقود الإشاعات ويقدم الأخبار الكاذبة على طبق من غباء، بل واختصروا إيجابيات هذه الوكالة كالتواصل السهل وتناول العبارات الفاعلة المؤثرة في الفكر والفعل، مروراً بالفن البصري والسماعي، وتقديم المعلومة المثبتة والمحكمة نصاً وحرفاً إلى قيادة مجتمع معلب الثقافة والأفكار، ويسهل اللعب بعاطفته وتعطيل عقله من خلال بضعة أسطر تشكّله في شكل جاهز، وواثق من أن معلومته هي الأدق والأصح والأبلغ.

أعترف بأن وكالة «واتساب» تجاوزت مساحة كونها وسيلة تواصل اجتماعية دافئة هادئة، لتصبح إدماناً بلا وعي، وتمريناً شاقاً للأصابع التي لا تكل ولا تمل، حين تصدق أنها مساهمة في الحراك الشعبي والتأثير الاجتماعي، ولكن في شكل عكسي هابط، يزرع إشاعات نحن المتضررون منهاً أولاً وأخيراً.

وكالة «واتساب» كوّنت فريقاً شعبياً لا يقرأ سوى حصيلة هذه الوكالة. طلّقوا القراءة من بعدها إن كان هناك من يقرأ قبلاً. يقول صديق عن الوكالة إنها علمتنا كيف نقرأ سريعاً، لكن نسي أنها أزعجتنا بمن يظن «واتساب» وحده مشكّلاً لثقافة معينة، وكافياً لقراءة الأحداث والوقائع، وليتنا نقطع على أنفسنا وعداً وعهداً من الآن أن نكون إيجابيين في التعامل مع هذه الوكالة، لا نمرر إلا معلومة صادقة نزيهة مطمئنة، ولا نتداول إلا ما نؤمن أنه مفيد مثمر محفز، لنتنفس من خلاله كيفما نشاء، لكن لا نجعله أداة هدم وتخريب وتشكيك وتأليب للرأي العام، وقبل أن أضع نقطة في آخر السطر أطبع لكم هنا أجمل رسالة وصلتني في زمن كتابة المقالة وهي: «تخاف أمي علينا من الغرباء... يا جنتي ما أوجعنا سوى الأقرباء».


نقلاً عن جريدة "الحياة"