الخرفان المريضة

الحضور العقلي لفئات اجتماعية معروفة حضور مختلف متخلف، وتثبت أحداثنا المحلية أن حاجتنا إلى مصحات عقلية ترتفع يوماً بعد يوم، لأن كيفية التعاطي معها أو آلية التفكير والتحليل عبثية تهدف إلى تكاثر عدد الخرفان والوجود داخل الحظيرة.

لستم في حاجة إلى مقتطفات من القضايا الاجتماعية الصادمة والمثار إشعالها على مفردات الشك والتخوين والاشتهاء وقذف الناس ورمي التهم بالمجان على اعتبار أن حقوق التوزيع حصرية ومحفوظة ومدعومة كذلك، فضلاً عن أن في عرفنا السائد أن الكلام لا «جمرك» عليه، والقوانين الضابطة لهذا الضمور العقلي المتعمد لا تزال تراوح في مكانها.

يذهب بك التحليل العميق للأمراض العقلية الاجتماعية إلى أننا لا نزال بمثابة أوعية حاضنة راضية لما يسكب فيها بعشوائية أو انتقاء، من دون تمريرها على فلاتر التدقيق ومن ثم التأكد من جودتها أو صلاحيتها للانضمام لمملكة الدماغ، بيننا مرضى عقليون بشهادات عالية وبكاريزما خارجية تغريك وتجذبك، لكنك تنسحب بعد لحظات بسيطة من تناول طرحها أو ربطك بين قفزاتها المتتالية من مربع لآخر، ويلزمك عقلاً أن تهرب حتى من الحديث والجدال معها كي لا تدخل في مأزق القول المعروف: «لا تجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما».

مرض العقول ليس استثناء في المشاهد المحلية، لكنه مقزز حين يصاحبه مرض القلب، وقديماً كانوا يقولون فلان مريض في عقله لإيمانهم بأن هناك خللاً منذ لحظة الولادة في هذه المنطقة، لكنه قول انسحب على فئات عمرية مدججة بالشهادات والحضور المنبري والشعبية الجماهيرية، وكذلك تسلل لببغاوات مراهقة تكتب بناء على توصيات كبار المرضى العقليين أو وفق ما يقدمهم كأنشط الخراف في الحظيرة وأكثرها سمعاً وطاعة.

مرضانا المستترون تحت الأسماء المستعارة والمدنسون لأي حدث اجتماعي عابر والمتحمسون لتحويله لقضية اجتماعية ساخنة تختبر حبال الصوت والعضلات وتستنجد بالأوصياء على عباد الله، هؤلاء هم أصحاب أكثر الأمراض إزعاجاً والذابحون لكل محطات ومساحات التفاؤل بمجتمع ذكي نقي يفكر من الأعلى دوماً ولا يضع مربع تفكيره وهاجسه الأول في الزاوية السفلى لأي حدث، هؤلاء فقط أصحاء على طاولة الطعام وفي مشاوير نقل الأقدام، وأصحاء عند منافسات طول اللسان وقدرة الأيدي على العبث بالمحتويات وزرع الفتن والأشواك في أسطر الكلام.

العقل المريض نتاج للقلب المريض، فماذا يمكن أن نفعل تجاه هذه العقول المريضة والتي تعترضها أزمات نفسية حادة تعصف بها، هل ثمة قانون يردعها أو مشافٍ تتبنى علاجها، الخوف كل الخوف من هذه العقول لأن مرضها لا يبدو سوى من تحت الطاولة وخلف الستائر والأزرار، فيما هي تدعي في محيطها البريء والصغير كامل أهليتها وقدرتها على الوجود بتوازن، ولا أحب أن يتعلم هؤلاء المرضى الحلاقة في رؤوس المساكين، ويطبلون للتفاهات ثم يربطون الحكاية من أحد أطرافها بالدين، كي يضعون لها منفذاً يحضر من خلاله كل الذين يندفعون بلا فرامل متى حضر اسم «الدين» وإن كان في المكان الخطأ أو قدم على هيئة جدار استنادي موقت.

نقلاً عن "الحياة"