قبل أن نستمع إلى خطبة الغد!

 سيهتم غداً عدد كبير من الخطباء بالعنوان الأكثر تصدراً لشبابيك الكتابة والقراءة وملئاً لمساحات النقاش الاجتماعية، سيجدونه عنواناً جاذباً لتأكيد أن هذه خطط التغريب وأوراق عمل الأجندات الأخرى، وأن أهداف الباحثين والمتسائلين وذوي الآراء الخارجة على المألوف، على رغم مشروعيتها، هي نحرنا من الوريد إلى الوريد، العنوان هو: «الحجاب» (غطاء الوجه تحديداً)، ولدينا من هو قادر على تحويله وتحويل أي توسع فقهي أو خلاف معلوم إلى أم القضايا بفضل جودة الحبال الصوتية والحماسة الزائدة والتوقف عند سطر وحيد لأنه المحوِّل - بكسر الواو - لا يجيد قراءة أي سطر آخر، مع أننا ممتلئون بمئات الأسباب التي جعلت أمة كاملة تتوقف عند ضجيج وفرح ابتكار الصفر، القليل منا سيعمد إلى أن تكون خطبته متحدثة بوعي ومحدثة بعقل وفق ما يهم الناس ويثريهم ويجعلهم قادرين على التفكير، متعاملين مع الآخر بسماحة دين ويسر تناول، القليل بالفعل سيتمكن من خوض المناطق المغلقة لأحادية الرأي بقالب متوازن وحضور واعٍ بعيداً عن مفردات التهديد والوعيد والتخوين والتخويف والتجريم والتحذير.

نصبح بمعية الحضور المتشنج والصراخ في الطرح مع «خطبة الجمعة» أجساداً تمزج بين الصمت وضعف التركيز والانتظار لعبارة «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون» لأن هذه العبارة تشير غالباً إلى قرب إقامة الصلاة وغلق خطب عابرة تستند إلى «اطبع واخطب» أو «خوّن وخوّف واقفز» في حضور شرفي اعتدنا عليه وآمنا أن تغييره غير ممكن، على الأقل في المستقبل القريب، ما دمنا نتعامل مع الاختلاف في الرأي باعتباره تهديداً صادماً، وواصلنا طرح العناوين التي تشير إلى الغريب أننا للتو ندخل الإسلام.

أصبحت الرائحة الاجتماعية للجمعة أقوى من الرائحة الدينية، بل إنا نحتفظ في الذاكرة المستدعية لهذا اليوم بلحظات لا علاقة لها بتاتاً بالخطبة ولا بتأثيرها المنتظر في العقلية المتلقية، وليت أنا نسجل بعمق لحظة الاستيقاظ المفاجئ للحاضرين لخطبة الجمعة، وهي اللحظة التي تأتي مع الدعاء، لأن الفعل هنا يصبح صوتياً أكثر من أي شيء آخر، خطبة الجمعة تحظى بإطار من الحرية من دون أن يكون لها أدنى تأثير، لأنها إطار يقول ما لديه ويمضي، ولا يقودنا إلى أي تغيير.

ذاكرتنا تعمد إلى نسيان الخطبة لأن ما يطرح فيها مكرر مع فارق الصوت والأداء، وذاكرة خطبائنا تعمد إلى تجاهل المخاطر التي تحيط بالبلد، كالتطرف والتشدد والخيانة والتحريض والجهاد بالنيابة وزرع الشكوك ورمي التهم، وتقفز كثيراً إلى الأوجاع الجغرافية البعيدة، لأن أوجاعنا متوقفة، لسبب مجهول أو معلوم، عند الغناء وغطاء الوجه وتأنيث المحال والاختلاط والمحطات الواسعة جالبة الصراخ والصراع، المنتهية بأن يمضي كل واحد منا إلى قناعاته التي لن تزول، والطرف المضاد لهذه القناعات أو الرؤى لا يذهب للنقاش المباشر، بل يجيش الجمهور ويتفنن في أساليب الحقن والتلقين والادعاء بأنه الأكثر وطنية وخوفاً وحرصاً على جيل مقبل، متناسياً أن هذا الجيل يسأل فلم يجبه أحد، ويفتش فيعثر على سعة من الرضا والفقه والعيش، ليقرأ الناظرون بعين واحدة أن أسئلتهم حرام، وتفتيشهم مكروه!

نقلاً عن جريدة " الحياة"