مجتمع... لمكافحة الإشاعات

عبثت الإشاعات بالمجتمع المحلي في الآونة الأخيرة، يرميها السفهاء فيلتقطها من هم إلى السفه أقرب. وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إرضاع أية إشاعة صغيرة لتكبر في لمح العين، لها بالطبع مدمنون ومرضى وهواة ومطاردون بلهاء لما اصطلح على تسميته بـ«السبق»، وكم من خبر تزعّم به متسرّع بوصفه سبقاً، ونكتشف أنه عارٍ من الصحة، كما أن عقل الناشر عارٍ من الصدقية.

تذهب بنا هذه الإشاعات للبعيد، تفجر أزمات متلاحقة ونحن في سعة من الأمر، تزودنا بما هو فوق طاقتنا من الإرباك والقلق، تزرع في العقول البسيطة بذوراً للخوف الطارئ والانسحاب من كل شيء، وتقع في أذهان ليست مؤثثة بالثبات والقراءة الدقيقة والتحليل المنطقي، فتنشغل بها وترى نفسها معها آية في الثقافة وعالمة بمستجدات الأحداث.

في أسبوع لعب فايروس «كورونا» بعقول المستيقظين على إشاعة والنائمين على أخرى، وكانت وسائل الاتصال تقذف بالأخبار والأرقام والتحذيرات والمخاوف وتؤكد على ضرورة نشرها من باب التنبيه، فتناقلها من يعيش على الإشاعة أكثر من أي أمر آخر، تأتيك في المساء الواحد عشرات الرسائل الركيكة والمتناقضة والتجميعية والمكتوبة بنصوص متباينة التركيز، فتؤثر وتبعث التأثير المطعّم بثقافة القص واللصق للمحيطين، ويتم الإسهام الأبله في ترويج الإشاعات وتضليل مجتمع. الإشاعة اختبار حديث لقياس درجة دوران أفراد المجتمع في حلقة مفرغة.

لماذا لا نبدأ من اليوم في استبعاد من ينشر أية إشاعة بلا تثبّت أو نرد عليه بأربعة أحرف منفصلة «ك.ا.ذ.ب»، حتى يمكنه أن يتهجاها كما يتهجى إشاعة حديثة الولادة، ونغلق الطريق على من يرسم لمخططات نشرها بدقة ويلعب على عقول مستقبليها كما تلعب على عقل طفل بقطعة حلوى. أي عاقل يجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة لفرملة أية إشاعة عند حدها، وإيقافها مانعاً العبور لها إلى من تجد في أصابعه بيئة خصبة وفي عقله ملعباً جاهزاً.

المجتمع الذي يؤسس معرفته وعلمه وحصيلته اليومية المحلية من بوابة الإشاعات مجتمع لا يعوَّل عليه، بل هو سهل الاختراق ويكون دائماً ضحية لمتصيدين علموا وعرفوا مع سابق التجربة أن أسهل فعل تنفيذي لإشغال مجتمعنا رمي إشاعة في وسطه، ليتكفل ذات المجتمع بلوازم النشر من التوزيع والتعديل والتطبيل والحقن والتعرية والإزعاج.

«كورونا» أدخلتنا في دوامة لم تتوقف، ولي مع وزارة الصحة حديث مقبل ليس هنا مكانه. «كورونا» عصفت بأرواح ولا شك في ذلك، لكنها لم تصل في الصورة العامة إلى حد أن ترفع معها كافة مستشفياتنا حالة الطوارئ أو الدرجة القصوى من الفزع. الإشاعات ترفع وتخفض ما تريد، والمساكين يموتون نفسياً قبل أن تعصف بهم أية حال مرضية عابرة. لن تكون تداعيات «كورونا» وتضخيم انتشارها الورقة الأخيرة في أوراق الإشاعات المحلية، فقبلها الرواتب والتغييرات الوزارية والقروض ونزول العقار، ولكم أن تضيفوا ما شئتم. الإشاعة آلية هجوم وزعزعة ولا يعمد لها إلا مختل وحاقد، وفي يدينا آلية الدفاع لمن هو مؤمن بأنه ليس مختلاً ولا حاقداً على أحد.

نقلاً عن "الحياة"