«عصيد».. الكرة السعودية

هذه المساحة ليست متاحة للصراع الرياضي ولا المضي في عالم الرياضة المتشنج والمضحك في آن واحد، إنما يؤلمك أن ترى منتخبك الوطني وهو يوجد في المحافل الرياضية على رغم الصرف الهائل والبذخ المحيط وهو أشبه بمحطة استراحة للفرق الأخرى وخصماً سهل النزال، بعد أن تحولت أقدام لاعبيه لآلات لا تتحرك جيداً في ظل انشغالها بالركض في عوالم الموضة والتسوّق وفلاشات الضوء وتحملها الزائد عن الحد لمخرجات التعصب ومهزلة أن يصبح منتخب وطن «منتخب أندية». 

فريقنا الوطني مثّلنا خير تمثيل في قصات الشعر ونظافة الفانيلة الخضراء والبيضاء على رغم 90 دقيقة من الركض على مدار ثلاث حلقات، طرنا مع فوز واحد وكأن منتخبنا يشارك كـ «فلسطين» في كأس آسيا أو اليمن في كأس الخليح، لأن إعلامنا - إلا من رحم ربك - مع كامل الخيبة والأسف هو حاصل أصدقاء الحارة ورفقاء الاستراحة وجلساء المقهى، فيتحدثون بعقول ترى ألواناً غير الأخضر، ويتمددون في القنوات التي تستضيفهم لشغل الفراغ وتمضية الوقت وهم مأزومون من الداخل، مترسبون ضد كل شيء طالما كان المزاج والميول يتحكمان فيهم، ويهمهم أولاً وأخيراً سؤال المفصل:- كم نقبض؟

الهزيمة بالنسبة إلى هذه البالونات مشجعة لساعات من الهراء وتصفية الحسابات تحت تنظير أن ذلك نابع من حس وطني رفيع، فيما هذا الوطني المتلون يفاوض لاعباً في منتخب وطنه عن قضايا هامشية بحجة أن مستقبله مع ناديه هو الثابت فيما الفريق الوطني مرحلة وتنتهي، بات منتخبنا - استثناء في حرق الأعصاب والاحتقان الشعبي ضد كل من يمثله، لم يعد الأخضر قادراً على زرع ابتسامة عريضة على شفاه العشاق والمحبين، وإن حدثت فجأة فهي أشبه ببيضة ديك، والويل لشباكنا من تبعات هذه البيضة، فهي على موعد قادم مع الثلاثيات والرباعيات والخماسيات ويا لذاكرتنا المثقوبة بفضائح الثمانيات.

تعودنا لعشرين عاماً على مصافحة التتويج ومعانقة الانتصارات والعودة دائماً من المنعطفات الحرجة والحادة والقوية بالذهب، لم نكن نحسب ما علينا فما لنا من أرقام دليل أن الأخضر هو الرقم الصعب في أي حضور رياضي، بينما الآن ندقق في جدول الترتيب، وهو الذي نعود معه للخلف عاماً بعد عام، ببركة الهزائم والمجاملات والتبريرات والصراعات وحصيلة الشباك من الأهداف التي حكت لنا كم أن الهزيمة مذلة، خصوصاً وأن الهزيمة لمن قيل عنه إنه «صقر آسيوي».

لن ينفع البكاء على اللبن المسكوب، لكن أوقفوا الثرثارين في قنوات التلفاز والمتلونين، أعيدوا قراءة مشروعنا الرياضي بشكل وطني نزيه، أوقفوا الاحتراف الشكلي المهدر للملايين والجالب للعاهات ومصدر أنصاف اللاعبين لتمثيل الشعار الوطني، امنعوا كتاب البلطجة والقادمين بثقافة الشوارع لعرضها أمام جيل ليزرعوا فيه حباً لناديه وكرهاً لمنتخبه، الفكر الحالي لم يعد يؤكل عيشاً، فالرياضة تذهب إلى خانة متطرفة محتقنة، والطريق للفرح وعتبات الآسيوية والعالمية طريق محفوف بالمصاعب والتحديات وفي حاجة عاجلة إلى غربلة شاملة من الألف إلى الياء، ثقوا بأن الهبوط الرياضي ما هو إلا هبوط في الخطط والأشخاص والإعلام، ونتاج للأضحوكة التي نغنيها «أننا نملك أقوى دوري عربي»، راضون بأن يكون لدينا أفشل دوري عربي ولكن نريد أن يكون لنا أقوى منتخب عربي، تعلمنا الفوز على يد أجيال ذهبية ومن ثم بلعنا مرّ الهزائم تلو الهزائم، وليتهم الجيل الرائع علمنا الهزيمة بالتدريج حتى لا نضحك على أنفسنا عشر سنوات كأبطال وهميين أثمن ما فيهم شعار وطنهم.

نقلاً عن جريدة " الحياة"