برامج التعليم والتدريب ومفهوم الطابع الإنساني!

في ظل الطلب الديناميكي والمتغير في عالم العمل، بات من السهل اليوم فهم دور التعليم المهني من منظار المقاربة الشاملة لنظام تنمية الموارد البشرية بأسره. فتنمية الموارد البشرية التي تتم أساسا من خلال أنظمة التعليم النظامي وغير النظامي، تهم عالم الاقتصاد كما الاختصاصي في العلوم التربوية؛ لأن التعليم خدمة اجتماعية واستثمار وهو بالتالي نشاط اقتصادي. والعلاقة بين التعليم والتنمية الاقتصادية ناتجة عن ترجمة الحاجة إلى اليد العاملة بأهداف وخطط تعليمية. إن العلاقة القائمة بين التعليم والتنمية الاقتصادية علاقة معقدة نظرا إلى غياب أي اتصال مباشر بين الوظائف ومستويات التعليم أو أنواعه. وليس من السهل في مثل هذه الظروف، أن نتمكن لا بل أن نفرض على أنفسنا تصور أنظمة لإعداد اليد العاملة وتحسين مهاراتها، قوامها الأساسي مقتضيات العمالة. كما يمكن للتعليم أن يكون حافزا للتنمية الاقتصادية ونتيجة لها. وينطبق الأمر نفسه بنوع خاص على التعليم التقني والتدريب المهني اللذين يعززان التنمية الاقتصادية ومعايير العمل ويخضعان لتأثيراتها. لذلك يجب أن ترتكز استراتيجية تخطيط اليد العاملة التي تحاول الاستجابة إلى العرض والطلب في آن، على التكافل بين التعليم والعمل بدل التشديد على عوامل التبعية أو الاستقلال. غالبا ما تدل المعايير المعتمدة لتقييم استراتيجيات التعليم وتنمية الموارد البشرية وأنظمتها، على وجود تباين في وجهات النظر بين الخبراء في علم الاقتصاد من جهة وفي التربية من جهة أخرى. يمكننا بالتالي أن نقيس، على مستوى الفرد، فائدة نظام التعليم التقني والتدريب المهني من خلال قدرته على تأمين العمالة ومستوى دخل معين ومكانة ذاتية ومكانة اجتماعية وامتنان في العمل وأيضا من خلال درجة الحراك الأفقي والتصاعدي؛ وعلى المستوى الوطني، من خلال مستويات الإنتاجية ومعايير النوعية والدخل القومي، فمن الصعب مثلا، تبرير استثمار أموال طائلة في برنامج تعليم فني وتدريب مهني يزيد معدلات البطالة في بعض المجالات وفي بعض الميادين المهنية ويؤدي من جهة أخرى إلى شح اليد العاملة. ثمة تحفظات أيضا على برامج التعليم التقني والتدريب المهني التي تنتج قوة عمل مؤهلة أكثر منها معلمة أو البرامج التي لا تعطي العمل حقه ولا تحث على اتخاذ أي مواقف إيجابية حيال عالم العمل. يجب أن تقوم تنمية الموارد البشرية، بنظر اختصاصي علوم التربية، على تعليم وتدريب ذي طابع إنساني بالدرجة الأولى ومهني بالدرجة الثانية لأن التعليم والتدريب الجيدين لا ينبغي أن يقتصرا فقط على إعطاء المتلقي المهارات والمعلومات المحددة التي تتطلبها وظيفته ولأن التدريب الشامل والمتخصص في آن معا يؤهل الفرد لأداء وظيفة بشكل فعال. أما عالم الاقتصاد، فسيشدد على ضرورة أن يقرب تخطيط التعليم واليد العاملة العرض من الطلب، وهو يركز أكثر على قابلية تسويق سلع التعليم. وهكذا يقع المخططون في معضلة الاختيار بين التضحية ببعض طموحات الفرد والمثل الاجتماعية العليا ضمانا لمواءمة العرض، واليد العاملة والتخلي عن بعض ما يحتاج إليه الاقتصاد لتلبية حاجات الناس والاستجابة للضغوط الاجتماعية بصورة أفضل. فيتساءلون مثلا إلى أي مدى يجب نشر التعليم لتلبية حاجات الخطط الإنمائية، وإلى أي مدى يجب بالتالي تخطيط التعليم وإدارته؟ في أي مرحلة من التخصص يجدر التدخل؟ كم يجب أن تكون مساحة القاعدة التعليمية، وما هي مكونات البرامج التعليمية؟ السلم الوظيفي ومخرجات التعليم تتألف أي مهنة من عدد كبير من الوظائف والمهام والكفايات التي يؤديها أشخاص تتراوح درجات تأهيلهم وقدراتهم ومسؤولياتهم. تقابلها بالضرورة مراتب مختلفة على سلم المهارات المهنية. عمليا، يقسم سلم المهارات إلى حلقات متسلسلة تسهل عملية التصنيف وترتيب المسؤوليات وتصور برامج تطوير اليد العاملة في التوزيع الهرمي الكلاسيكي لقوة العمل على المراتب المهنية، بحيث تشمل أعلى المراتب الاختصاصيين والفنيين الذين يتلقون عادة التدريب في مؤسسات التعليم العالي، وتضم المراتب المهنية في أسفل سلم المهارات، والعمال والحرفيين المؤهلين الذين يتلقون عادة التدريب في مرحلة التعليم الثانوي أو في أي أنظمة تعليم موازية. يحل تدريجيا مكان النموذج الهرمي الكلاسيكي في الاقتصادات الحديثة، توزيع إهليلجي الشكل يشدد على أن أي عجز أو فائض كبير في أعلى المراتب المهنية أو أدناها قد يخل بتوازن الاقتصاد ويضعفه. نظم التعليم والتدريب المهني يتألف التعليم التقني والتدريب المهني من ثلاثة أنظمة أساسية هي النظام المدرسي والنظام المؤسساتي التدريب الميداني والنظام المتكامل المزدوج. وقد نجد واحدا منها أو أكثر في البلد الواحد. ويعتمد النظام المدرسي عادة في المؤسسات التعليمية ويمكن ربطه بعالم العمل. أما النظام المؤسساتي فيكون في مقر عمل المستخدم. ويأتي وضع برنامج التدريب في النظام المتكامل ثمرة التشاور بين مختلف الأطراف المعنية، مع اختلاف بسيط هو أن المؤسسة هي التي تحدد معايير التدريب. ومن أهم المسائل المطروحة اليوم، ولا سيما في البلدان النامية، معرفة ما إذا كان الإعداد لممارسة مهنة معينة من مسؤولية النظام التعليمي أو المؤسسة. إذا اعتمدنا تفسيرا أوسع يشمل في طور الإعداد المهني كل فئات التعليم والتدريب على مختلف المستويات، يندرج القسم الأكبر من التعليم العالي على المستويين المهني وما قبل المهني في الجامعات ومعاهد التدريب التقني في إطار الإعداد لممارسة مهنة معينة. من الواضح أن النظام التربوي يؤدي دورا بارزا في أعلى المراتب المهنية، في حين تتولى المدرسة والمؤسسة في أدنى المراتب المهنية تعليم العمال المؤهلين والحرفيين وتأمين التدريب المهني لهم. ويعتبر التعليم عادة في النموذج الذي يوكل للمدرسة مهمة إعداد اليد العاملة على مستوى المراتب المهنية الأساسية، كنشاط يهدف إلى تنمية الإنسان، وهو يشمل بالتالي التعليم العام والتعليم المهني. وتكون المؤسسة في هذه الحالة غير أهل لتحمل عبء إعداد اليد العاملة بكامله. وينطلق مناصرو اعتماد نموذج إعداد لليد العاملة يتمحور حول المؤسسة على مستوى المراتب المهنية الأساسية، من مبدأ مفاده أن ليس لهذا الإعداد مكان في المدرسة بما أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بمقتضيات العمل في المؤسسة. تقييم برامج التعليم والتدريب المهني ترتبط معايير تقييم برامج التعليم التقني والتدريب المهني بدرجات متفاوتة بمعايير عالم العمل وتغير الطلب فيه. ويرتبط التقييم الداخلي بشكل غير مباشر بعالم العمل ويمكن فصله عنه. كما يرتبط القسم الأكبر من عناصر التقييم الاقتصادي بشكل غير مباشر مع عالم العمل، مع أن تأثير برامج التعليم التقني والتدريب المهني على الإنتاجية مرتبط بشكل غير مباشر بعالم العمل. التقييم الخارجي من جهته منفتح أكثر على الخارج لأنه ينظر في مدى مواءمة البرنامج ومقتضيات العمل. ويتسم التقييم الخارجي بأهمية بالغة في الأنظمة المدرسية التي يحدق بها خطر الانفصام عن عالم العمل. دور عالم العمل في التعليم والتدريب المهني يمكن تحليل دور عالم العمل من خلال النظر إلى الأدوار الرئيسة الأربعة التالية: دور التخطيط : تتوقف نوعية أنظمة التعليم التقني والتدريب المهني وفعاليتها على نوعية التخطيط لها. كما أن مصداقية وظيفة التخطيط وفعاليتها رهن بمشاركة كل المؤسسات المعنية، بما في ذلك المستخدمون الذين تستهدف برامج التعليم التقني والتدريب المهني مؤسساتهم بالدرجة الأولى. ويمكن إشراك القطاع الخاص في وظيفة التخطيط من خلال سلسلة تدابير ولا سيما اعتماد تشريع يرسي الأساس التشريعي والإطار القانوني الضروريين لتحديد دور الفرقاء المهتمين، والأطر المؤسساتية التي ترعى مشاركة القطاع الخاص في البنى المؤسساتية، ومشاركة المستخدمين في صياغة مناهج التدريس؛ أخيرا، تؤمن أنظمة المعلومات قاعدة البيانات الضرورية للتخطيط، حول العرض والطلب على اليد العاملة. دور التمويل : تختلف طرق التمويل من بلد إلى آخر. لكن نميز عادة بين أربعة مصادر تمويل ممكنة للتعليم التقني والتدريب المهني: دافعو الضرائب، المستخدمون، المستفيدون المتعلمون، المتدربون وعائلاتهم والجهود التطوعية على شكل منح وجمع التبرعات. دور التنفيذ : يتمحور دور عالم العمل في تنفيذ برامج التعليم التقني والتدريب المهني حول فئتين من الأنشطة: تلك المتصلة بتدريب المستخدمين في أثناء العمل وأنشطة التعليم والتدريب المسبق كتعلم مهنة ما مثلا. لطالما اعتبر من المسلمات أن تتولى المؤسسة التدريب في أثناء العمل؛ لكن المستخدمين باتوا يعون اليوم أكثر من الأمس أهمية اعتماد سياسة متكاملة لتنمية مهارات العاملين لديهم وقدراتهم. تحديد احتياجات التدريب: يخضع عادة تحديد حاجات عالم العمل في مجال التدريب إلى اعتبارات اقتصادية وأخرى متصلة بالإنتاجية على المستوى الوطني. أما على مستوى المؤسسة، فيقوم تحديد الحاجات في مجال التدريب على العناصر التالية: - درس السياسات الوطنية الرسمية وغير الرسمية لتنمية الموارد البشرية وصياغة الخطط الاجتماعية والاقتصادية المناسبة. - تحديد السياسات الواجب اتباعها والأهداف الواجب تحقيقها في مجال تنمية القدرة البشرية في المؤسسة؛ على المسؤولين في الإدارة اعتماد مثل هذه السياسات. - تقييم وضع اليد العاملة في المؤسسة، كما ونوعا. - تقييم النواحي ذات الصلة، كما ونوعا، وحاجات المؤسسة لجهة القدرات البشرية. من أهم العناصر هنا خطط توسيع الأنشطة الإنتاجية ومعدلات دوران اليد العاملة وخطط تحديث سياسات توزيع العمل وتطويرها.