التغيير طبيعة الحياة

لا أتحدث هنا عن المبادئ فهي يفترض أن تكون ثابتة وغير قابلة للتغيير مهما اختلفت الظروف وتغيرت الأمكنة، وتبدّل الزمن وغيّر ملامحه، ولكن أكتب عن رؤيتنا للأشياء والصور والناس من حولنا، تفكيرنا في المتغيرات، إيماننا ببعض الأفكار في فترة زمنية معينة من العمر وأيضاً بعض الأشخاص واعتبارهم نماذج وصوراً حقيقية وثابتة نؤمن بها ونركض خلف ماتقوله، أكتب عن تحيزنا لمكان أو شخص أو قيمة ما أو فكرة أو مجموعة من البشر ومن ثم يداهمنا ذلك التغيير الطبيعي في الحياة والذي هو الأساس وهو الحقيقية الوحيدة التي يختص بها كل إنسان وقد يحتفظ بها لنفسه لاعتقاده بأنها تخصه دون غيره وبالتالي لا معنى لأن يسوّق لتغيره الطبيعي..!

أنا كما أنا لم أتغير وهذا صحيح.. كم من البشر صادفت في حياتك ووجدتهم كما تركتهم من عشرين سنة لم يتغيروا في تفكيرهم أو نمط حياتهم أو رؤيتهم للأشياء رغم كل التغير الذي طرأ على كل من حولهم، وعلى العالم بشكل عام؟

كم طفرات ثقافية واجتماعية عبرت بجانبهم ولم يتوقفوا أمامها رغم أنها تعتبر انعطافة هامة في حياة كل من عبرت بجانبه؟

كم هي فرص التغيير التي أهدتهم الحياة ولم يتنبهوا لها أو تلفت اهتمامهم؟

في ديوان الحقوق الإنسانية من حق كل شخص أن يبقى كما هو، في إطاره الذي اختاره حتى وإن غمره الغبار، من حقه أن يظل متوقفاً على ذلك المسار الذي توقف عنده من عشر سنوات رغم أن الطريق أُقفل تماماً ولم يعد به خط رجعة.. والسير انتقل إلى طريق آخر تتفق على جودته أو سوءه في كل الحالات هو التغيير..!!

في التغيير بالمجمل وليس بالتفصيل أنت تغير طريقك الذي ظللت تمشي فيه وتعتقد أنك سوف تصل إلى الوجهة التي حددتها وتكتشف بعدها أنك كنت مخطئاً وأن الطريق اختلف تماماً ولم يعد هو وفي ظل استمراريتك فيه لن تعرف إلى أين تأخذك ليس فقط الجغرافيا بل التاريخ وهو الأصعب... ولذلك ستتجه إلى الطريق الجديدة ببداية المعرفة الأقوى، وبالقدرة على استلهام لحظة متحركة تدفع للتغيير الأهم وليس إلى المصير المجهول..!

تختلف هنا مع من أدركوا الخطأ وبدلاً من تصحيحه أصروا على الاستمرار فيه بحجة أنه لا وقت للتغيير وكأن التغيير مرتبط بزمن أو مكان على الرغم من "استقلالية فكرة التغيير ذاتها" وعالمها الذي يرتكز على صفاء الإحساس واللحظة التي بُنيت عليها الفكرة في وقت ليس به ملمح نرجسي أو تجاوزي لفكرة التغيير التي نكون في حاجة إليها وكأنها احتفالية ثابتة وليست عابرة كلحظة ولكن تأثيرها في الغالب هو الأبقى..!

نتغير ليس فقط لأننا في حاجة إلى التغيير ولكن لأن التغيير هو الأصل، هو رؤية الصورة من كل الاتجاهات بعد التعود على مشاهدتها من زاوية واحدة وفجأة تجد نفسك دون تخطيط أو موعد تشاهدها من كل الزوايا بهدوء وتركيز وتكتشف في لحظة صافية ملامح مختلفة عن تلك التي كنت تراها وبهدوء تجد نفسك متراجعاً خطوات عن الصورة ولكن هل تستمهل قراراتك لتصل إلى التغيير؟ أم تلامسه بسرعة؟

قد تتغير ١٨٠درجة في نفس اللحظة وتكتشف أنك كنت ترى شيئاً مختلفاً لم تعد تراه وحانت اللحظة للمغادرة، والمقصود هنا مغادرة كل تلك السنوات التي كنت فيها ترى الأمور بنظرة تخصك وتحكم عليها من مكانك وبتفكيرك.. تغيرت وتغيرت طريقة تفكيرك وتغيرت أحاسيسك، نضجت ربما من السنين وربما من الوعي وربما من الضربات وبالتالي تشعر بتوجه عميق داخلك للتغيير وللنظر للأشياء بطريقة مختلفة وواقعية أحياناً وبعيدة عن التحيز أو إلباس الآخرين أردية المثالية وهم بعيدون عنها ، تتغير لأنك لابد أن تتغير سواء كان هذا التغيير متسارعاً أو بطيئاً أو أحياناً

مرتبطاً بموقف ما في الحياة يدفعك لتغيير قناعاتك كاملة في كثير من الأشياء وتشعر بعدها بتحررك الكامل من عبء حملته من الصور والأفكار والأيدلوجيات وتلك المسائل المعقدة وذلك الإرث الذي كنت تعتقد أنك ستظل تحمله دون أن تتداعى وتُجهد من حمله وتجد نفسك فجأة متخففاً من كل شيء، سعيداً بتغيرك التام وقدرتك على إحداث الفرق في حياتك..!

أخيراً من يستطيعون التغير وعدم مهادنة السائد هم في الغالب معتدلون وغير متطرفين في مشاعرهم ومفاهيمهم للحياة، لأن الشخص المتطرف والمغلق من الصعب أن يتغير أو يؤمن أن هناك رياحاً للتغيير تهب كل يوم وتفتح الأبواب المغلقة وتظل تطرق أبواب من لا يفتحون والمشكلة ليست في الرياح ولكن فيمن لا يسمعون طرقها رغم قوتها..!!


بقلم: نجوى هاشم - الرياض