أرجوكم عانقوني

قبل أكثر من عام نشرت "الرياض تحقيقا ملفتا من لندن تحت عنوان"أرجوكم عانقوني" لإقبال التميمي يتحدث عن مجموعة من طلبة جامعة أستون البريطانية من قسم الدراسات الاجتماعية وهم يقفون في وسط السوق ويحملون لوحات كُتب عليها"نقدم عناقا مجانيا" ويعرضون على المارة أن يمنحوهم عناقا..!


في حديثه ل"لرياض" قال أحدالطلبة البالغ من العمر٢٠عاما عن غرابة ما يفعلونه إحساسهم بأن الناس في بريطانيا أصبحوا غير ودودين، والناس تخشى التعبير عن محبتها..!


طالب آخر قال: ناقشنا موضوع العناق في الكلية وتوصلنا إلى ضرورة كتابة دراسة موثقة حول المعانقة لنرى ردود فعل الناس..


أنا أحد أربعة تبرعنا لعناق المارة من أجل الاستقصاء والبحث رغم وجود محاذير مثل أن بعض الناس من حملة الأمراض، او ممن لايهتمون بالعناية الشخصية، أو قبيحين أو رائحتهم مؤذية، لأني لا أتوقع أن يقوم كل إنسان بفحص طبي لنتمكن من معانقته!


وقد وزع الطلبة الأربعة مناوبات العناق بينهم مع تغيير الأماكن كل ساعة.. وقدعانق كل من الاربعة الشباب فتاتين وشابين ما معدله٧٣ عناقا في اليوم الواحد.. لكن الفتيات (وهو الطبيعي) قد حصلن على معدل عناق أكثر من الذكور..!


ما يهم هنا أولا ردود فعل من طُلب منهم العناق وهي"أن البعض رفض تماما وقال كلاما جارحا، وأطلق ألفاظا بذيئة على الشباب الذين اقترحوا معانقتهم، والبعض رفض لأسباب دينية، والبعض رفض أن يعانقه أحد من نفس جنسه..!


ثانيآ نتائج الدراسة أثبتت أن ردود فعل الناس متفاوتة تجاه موضوع العناق من حيث اعتبار الفكرة غريبة أو زيادة عادة العناق..


المحصلة للبحث والاستقصاء أن الطلبة اكتشفوا أن المعانقة هي علامة على المودة وإيصال رسالة للآخر أنك مهتم لأمره وتعني له شيئاً،ل كن الأهم وهو مايرتبط بمجتمعنا أنهم خلصوا"الى أن الشعب البريطاني بشكل عام لايميل إلى التعبير عن مشاعره".


ما أعادني إلى ذلك الموضوع هو ما قام به بعض الطلاب والطالبات في المملكة من خلال رفع لافتات تطالب بالحضن المجاني"free hug" قبل شهر وتلك الضجة التي تركزت على القضية من خلال القبض على شاب عشريني في المدينة المنورة رفع في اكبر الطرق المخصصة للمشي في المدينة لوحة كتب عليها حضن مجاني ومن الطبيعي أن يصفهاالمارة بخدش الحياء امام إصراره الذي دفع الدوريات لوقفه وتسليمه لدار الملاحظة، ورفع ملفه لهيئة الادعاء والتحقيق ما لفت اهتمامي تعليق المسؤول بأن ما قام به الشاب خارج عن العادات والتقاليد، وإنه يبحث عن الشهرة..!


ولأنها ظاهرة وسريعة الانتشار رُصدت طالبات في جامعتي الأميرة نورة والإمام محمد بن سعود مارسن الحضن المجاني في فناء الجامعة وتم التحفظ على لوحات معهن تنادي بالحضن المجاني.. ودعت مجموعة من الطالبات إلى تنفيذ حملة "الحضن المجاني".


والهدف وهذا هو المهم (تقليد لفكرة الشاب السعودي مخترع الحضن محليا، وأيضا الفكرة جميلة ليس إلا(


يتضح من فكر شبابنا أن الأمر يتعلق بالتقليد فقط والوناسة وكسر الروتين "وشوفوني" بدليل أن الشاب الذي بادر لم يتوقع ردود الفعل وهذا التقليد.. بينما في بريطانيا كان الهدف دراسة مدى تقبل الناس للعناق داخل مجتمع جاف ولا يعبر عن مشاعره وغير ودود، من طلبة تناولوا الأمر اجتماعيا وعلميا وليس للتصوير أوالتحدي أو العرض.. وهذا هو الفرق بيننا وبينهم..



الهيئة قبضت على شابين حملا لافتة حضن مجاني ليس ترصدا ولكن من شكاوى مواطنين وعائلات مستنكرين للأمر وتم تسليم الشابين لوليي أمرهما بعد التعهد..!


يذكرأن ظاهرة العناق المجاني تعود إلى أستراليا من شاب عانى من الوحدة والاكتئاب نتيجة لمشاكل وصعوبات شخصية واجهها، فكتب لوحة" حضن مجاني free hug "وتجول بها في شوارع سيدني إلى أن حصل على أول أحضانه من سيدة مسنة كانت أول من سطر له التأييد ومن ثم انتشرت الفكرة..!


وما بين الشاب الأسترالي الذي دفعته ظروفه الشخصية للبحث عن حضن مجاني، وما بين الشباب الجامعي البريطاني الذي يبحث في مجتمعه وكلها اسباب منطقية نأتي نحن خارجا بأسباب لاتعكس كالعادة سوى"شوفونا" نحن نستطيع كسر حاجز الملل والتقليد ونشر صورنا على اليوتيوب.. وتناقلها بسرعة دون هدف..!


أخيرا نحن مجتمع أظنه متشبعا من الأحضان المجانية فكل مناسباتنا أحضان وكلماالتقينا عوائل أوأقارب أو أصدقاء أحضان في الدخول والخروج..لا نحتاجها لأننا بشكل عام لا ينقصنا التعبير لا بالمفردات ولا بالملامسة عن مشاعرنا.. بل إنه أحيانا وكطبيعة لبعض المجتمعات والمناطق نفرط في التحايا والعناق.. المجاني المجاني..!


نقلاً عن جريدة "الرياض"