للقلوب سيادة.. ونحن سادتها

 هل تعرف.. أن ّمن يريد أن يفعل شيئاً يستطيع أن يفعل..؟ وهل تعرف أن ّمن يريد أن يفعل.. سيجد المبرر ويفعل كل الأشياء..؟

وهل تعرف أن من لايريد أن يفعل.. سيختلق الأعذار.. وسيتأخر ليس في مباشرة الفعل، وإنما في الغياب؟

وهل تعرف ماذا يعني أن تكون جريئاً وتحاول أن تفعل؟

وهل تدري أن ّنصف مفهوم الحياة يرتكز في ذلك السحر المسمى بالجرأة؟

وهل تدري أنّنا نسجن أنفسنا في دائرة حياة.. يضيق أفقها حتى يكاد يخنقنا، والسبب أننا تأخرنا في ملامسة ما نحلم به.. وما يمكن أن نحقق منه؟

وهل تدري أنك تغيّب عن نفسك الكثير من السحر الحياتي عندما تكرر التفكير في أن تكون أو لا تكون .. فهذ اليس مهماً؟

في ظني أنك غائبٌ عن نفسك قبل أن تغيب عن الآخر، وتجهل تماماً أنّ الفصول تتعاقب.. وأنني عاشقة لتنوعها.. وتعاقبها.. فكل فصل يمنحني محبة وانبهارا له، فالشتاء أقف على أرصفته وهو لايزال رقراقاً وعبقاً بعطر من أحبوا واستكانوا في ظلال مشاعرهم.. تاركين للنوارس همّ التحليق .. مكتفين بترحيبها بعودة الاخضرار لحياة تجاوزت درجة برودة الشتاء .. وتغير الطقس.. كما هو تغير الآخرين.. من خلال رسم المشهد بيدها واستمتاعها بالرسم لأنه مشروع قابل للحياة، ولأنه من يمنحها الأمل ويكسر وحشة تلك الصور التي تصر أن تبقى في طبيعتها التي تحرمها من حق الحياة..!

في ظني أنك قررت أن تختصر الأشياء في ذاتك.. رغم أنه ليس من حقك أن تستكين داخل هذه الظلال، فالآشياء المشتركة تهرب من خداع الظلال المتكسرة التي يحاول طرف أن يسجنها داخلها..!

كيف لك أن تعرف أن النفق الممتد والذي عبرته في دقائق دون قواعد ودون أسئلة.. على ضوء إحساس الآخر.. أنه مسدود رغم أنك ترى نهايته، وأنّ قطاراً آخر فكرت في الاتجاه إليه من نفق المحطة التي منحتك حق العبور .. سوف تصل إليه؟

ألم تفكر للحظة أنك قد تفقد طريق العودة مرة أخرى إلا إذا قررت المغامرة وتكسير النفق والبحث عن المساعدة؟

هل تريد الإجابة ؟

ولكن على أي الأسئلة..؟

تلك الأسئلة التي سبقت فصل الشتاء .. أمس الذي كان خارج المكان.. وخارج الزمان..أم تلك الأسئلة التي توقفت في منتصف الطريق .. قبل الذهاب إلى الأمس وتلك الأماكن القديمة؟

أم تريد الإجابة عن أسئلة اليوم .. أقصد الآن.. ما نحن فيه.. إجابات من قاموس الفراغ.. ومن قاموس عدم الرضا.. ومن قاموس.. الغضب المفتعل.. ومن قاموس.. الإدراك أن الآخر لاذنب له ولكنك تحمله ذنوبك، وتعثرك وسقوطك.. تهرب من نفسك.. لا لتجدها لديه.. ولكن لتحمّله أمر هروبها.. تعتقد أنك الفائز لمجرد أنك هزمت الآخر.. بفرض قناعاتك.. وهذا هو الأسوأ، فقاموس الهزائم يخلو من نتائج مسجلة للمحبين.. ولا يكترث لها.. كلاهما فائزان في الحب: الحبيب والمحبوب.. ولكن الخاسر عادة واحد.. ولك أن تقرر من هو، ولاتفوت البحث عن الإجابة..!

لماذا تهرب من نفسك؟

في ظني أنني تعودت أن أواجه نفسي، وأن أصغي إليها .. هذه المواجهة عززت ثقتي بها.. في لحظات الفرح، وفي لحظات السقوط.. لم أتعود أن أكون ضحية أو مغيّبة.. مهما عبرت على جسر التغييب .. فإنني أعاود سيطرتي، وأحمي داخلي من الجنون، وأواصل المشي على الجسر لنهايته مستمتعة به، وكل خطوة أخطوها تمدني بالصمود.. لا أتوقف أمام الشقوق الصغيرة وأكتفي بالقفز عليها..!

هل تعرف أننا سادة قلوبنا.. وأنك تفقد سيادتك على قلبك كلما أغلقته، أو قاومت رغبته في أن يكون سيداً كما هو أنت.. تهرب من قلبك مرة تلو أخرى، وتمارس الجنون بسجنه.. بخيارات.. الحفاظ على أمنه وأمنك.. وفي ظني أن تحصين القلب من القادمين الجدد يفقده نبضه.. ويبقيه ملتفتاً فقط لساعته الوظيفية، وهي إدارة الجسم، ومنحه الحياة ليأكل ويشرب ويتنفس.. في غياب الروح التي أسقطتها من الحساب، واكتفيت بالجلوس في منطقة الحياد لترى الحياة الأخرى تتسرب بهدوء.. دون أن تتحرك لوقفها ومرافقتها مثل الحلم ..!

في ظني أنك بحثت عن أسرار الحياة وعندما أفاضت لك بأسرارها، غادرت خائفاً من دوامة البقاء.. تغيبت.. وفوتّ فرصة أن تشتم رائحة الدفء في فصل الشتاء.. دفء الوجوه الحاضرة المتدفقة والتي حمَلت معها.. بدايات لا تعثّر فيها، ولا حضور للفصول في غير موعدها..!

هناك نوع من التوليف بين الماضي والمستقبل مع تغييب الحاضر.. فهل تقرأ قاموس الثلاثة.. بسيادة قلبك ومطالبه، وبتخيّل خطف المدى الحاضر؟

بقلم: نجوى هاشم - الرياض