أما لليل العرب من نهار؟

اللحاق بركب الدول المتقدمة.. حلمٌ عاشه مَن قبلنا وعشناه ردحا من الزمن تعلمنا أن الأرض "بتتكلم عربي"، وأن "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان". انطلقت أغاني الحلم العربي متفائلة.

ولكن الحلم تبخر كبقية الأحلام العربية.

أبطال الاستقلال لعنوا من كان قبلهم ونعتوهم بالطابور الخامس وسحلوهم في الطرقات أو نفوهم خارج ديارهم. ثم حشدوا الحشود واستنهضوا الشعوب فقدمت دماءها في سبيل تحقيق العزة والتنمية والتعاون العربي التي وعدت به.

ولكن الثوار كانوا أسوأ من مرحلة الاستعمار. ثم جاء بعدهم من ثار عليهم مبررا ثورته باستبداد الحكام وفساد حكوماتهم. وكانت الخطب الرنانة وانطلقت الوعود الوردية وطبّل المطبلون لها، ورقصت الشعوب على أملٍ منهك من طول انتظار.

فإذا جرحٌ وما الجرح اندمل.

في كل مرة يستمر السقوط العربي ويقتتل العرب في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب. حتى أصبحت كل الدول العربية مهددة من داخلها ومن جيرانها ومن القوى الإقليمية والعالمية المتربصة بها.

القوى الإسلامية شيعية وسنية لعنت من كان قبلها كذلك، ورفعت شعار الإسلام هو الحل، ولكنها فشلت في السودان والصومال ولبنان والعراق ومصر. ثم جاءت الفرق التكفيرية من نصرة وداعش وقاعدة وحشود وغيرها من فرق الضلال لتلعن الجميع، وتلعن بعضها البعض، فأفسدت كل شيء وهدمت وقتلت وأعلنت الحرب على المسلمين ثم استهدفت بيوت الله ففجرتها وقتلت عباده.

لم نعد ننادي بوحدة عربية ولا تعاون عربي ولا تكتل اقتصادي عربي. أصبح حلم كل عربي أن ينعم بالأمن وأن يحافظ على كيان دولته برغم الفساد المستشري فيها وبرغم وإهدار مقدراتها في سبيل نسبة ضئيلة منهم، وبرغم الظلم الكبير في توزيع الثروة وتوجهات التنمية.

لقد أصبحنا في حالٍ يرثى لها، فالدول العربية مهددة بتفتيتها على أسس عرقية وطائفية.

نتهم الأعداء ونحن من نوقد نار الطائفية.

نتحدث عن المؤامرات ونحن أدواتها.

نخوض التجربة تلو التجربة من دون أن نتعلم من سابقتها فتتكرر الأخطاء الفادحة.

مراكز البحوث المتخصصة موجودة في الغرب تدرس أوضاعنا وتعد خططها بناء على دراسات مستفيضة، وتستفيد من أوضاعنا، ونحن لاندري إلى أين تتجه بوصلتنا. أصبحت أفعالنا مجرد ردود أفعال.

وليس أدل على البؤس العربي من أن يتحسر الناس على وضع كانوا له كارهين لأن ما بعده جاء أسوأ منه.

الأمل المتبقي أن نرى دولة عربية تخطو على الطريق الصحيح بأن تحافظ على وحدتها من خلال استيعاب طوائفها وأعراقها ومناطقها وتجريم كل عمل يؤدي إلى الفرقة، وتبني خطط تنمية الإنسان والمكان على أساس مبني على الإحصاءات والدراسات، وتطور التعليم الأساسي والعالي والاستثمار في العقول، والاهتمام بالبحوث الأساسية، وتطور الصناعة المحلية، وتنوع مصادر الدخل، والشفافية ومحاصرة الفساد على جميع المستويات، وضمان حرية الرأي واعطاء مساحة للنقد والمساءلة.

حينها سيبزغ فجر جديد ينقل الناس من حالة اليأس والإحباط إلى حالة المشاركة في صنع الحلم.

بقلم: محمد ناهض القويز - الرياض