ازدحام طوارئ المستشفيات

يدرك كلّ من راجع قسم الطوارئ بأي مستشفى أن المراجعة فصل من عذاب ولهذا يحاول أن يتجنب مراجعة الطوارئ ما أمكنه ذلك.

في كل مرة يعتقد القائمون على الأمر أن الحل هو في زيادة حجم قسم الطوارئ وزيادة الأطباء والممرضين. وهذا خطأ تشترك به مستشفيات كبيرة سواء هنا أو في أوروبا أو أميركا؛ إذ يعمد القائمون على المستشفيات إلى التوسع المكاني والبشري بشكل كبير.

وبرغم الانفراج المؤقت الذي يصاحب افتتاح الأقسام الجديدة إلا أن المشكلة لا تلبث أن تعود من جديد. فيصبح انتظار المرضى بالأيام ويتم الكشف على بعضهم وملاحظتهم في الممرات بدلا من الغرف، وتكثر العودة إلى قسم الطوارئ خلال الثماني والأربعين ساعة التالية لخروجه منها لأن الحالة ازدادت سوءاً. ويظهر جليا عدم رضا المرضى وتزداد الشكاوى وتقل الجودة.

وتتحول أقسام الطوارئ الجديدة الكبيرة إلى أكبر عبء إداري مزمن من دون حل.

ويبقى السؤال المهم ما الحل لازدحام طوارئ المستشفيات؟

لكي ندرك الحل لابد من تحديد مهمة قسم الطوارئ في المستشفيات، لأن هناك تباينا بشكل كبير حسب مهمة المستشفى.

فالقسم في المستشفيات الإقليمية والمركزية مهمته مباشرة جميع الحوادث والحالات الطارئة والقيام بالتشخيص والعلاج بأسرع طريقة من دون الإخلال بالجودة. ومثل ذلك يقال عن مستشفيات القطاعات سواء التعليمية أو العسكرية أو سواهما إلا أن الخدمة في مستشفيات القطاعات تكون في الغالب محصورة في خدمة مرضى كل قطاع.

بينما يفترض أن يكون دور قسم الطوارئ في المستشفيات المرجعية المتخصصة أقل أهمية وأصغر حجما ومهمته التعامل مع الحالات الطارئة لمرضاه فقط ماعدا بعض الاستثناءات. والسبب أن تلك المستشفيات معنية بعلاج الحالات المستعصية وفتح باب الطوارئ لكل الحالات الطارئة يرهق المستشفيات التخصصية ويخل بمهمتها ويدفع ثمنه مرضى الأورام والحالات المستعصية لأن الأسرّة مشغولة بمرضى يمكن معالجتهم في أي مستشفى آخر، ولهذا انقلبت النسب في تلك المستشفيات، فبدلا من أن تكون 90% من نسبة التنويم للحالات المستعصية عن طريق مكتب الدخول تضاءلت إلى 10% فقط ما يعني طول انتظار لمرضى الأورام والحالات المستعصية، وإلغاء عمليات متخصصة لا يمكن إجراؤها إلا في مستشفى تخصصي.

ولهذا فمن الضرورة مراجعة الأمر بـ" أن تباشر جميع المستشفيات جميع الحالات الطارئة"؛ لأنه أضر بالمستشفيات المرجعية وبمرضى الأورام والحالات المستعصية.

بعد أن توزع مهام الطوارئ بين المستشفيات حسب مهامها لابد لكل مستشفى من دراسة الإجراءات التي تتم في قسم الطوارئ لديه، والعمل على تقليص الأوقات التي يمضيها المريض منتظراً إلى أقل وقت ممكن، كما يلزم معرفة إنتاجية كل طبيب وكل عضو في فريق الطوارئ، ولابد من تحديد أوقات وكثافة تدفق المرضى على قسم الطوارئ ليتم توزيع الطاقم حسب الحاجة مع ملاحظة أن زيادة التدفق تسبق ظهور الازدحام.

هناك برامج متخصصة ومختصون في رصد الاجراءات وتقليصها لتركز على خدمة المريض. وهي تهدف إلى تقليص انتظار المريض في الطوارئ إلى أقل حد ممكن وقد تمكنت بعض المستشفيات من تقليص وقت انتظار المريض قبل الكشف عليه إلى صفر دقيقة. كما أن هناك مستشفيات استطاعت أن تقلص متوسط مكوث المريض منذ دخوله الطوارئ إلى خروجه منها أو تنويمه إلى ساعة واحدة فقط.


بقلم: د. محمد ناهض القويز - الرياض