في اليابان

عاد ابني وهو مصدوم مما شاهده في اليابان.. أسلوب الناس، نظام الحياة، التعامل المختلف. كثير من المشاهد التي كان ينقلها لنا عبر هاتفه الذكي تدل على أن المدينة لا تعاني ما نشاهده في أغلب مدن العالم من الازدحام العجيب والحركة الدائبة، مع أن عدد سكانها يتجاوز المليونين.

صدمة ابني جعلته لأيام يتذكر ويقارن كما نفعل دوما عندما نعود من الخارج، ثم تهدأ النفوس ويعود الجميع للمساهمة في أدوارهم المعتادة في التعامل والحركة التي كنا ننتقدها. الغريب هذه المرة أن هناك أشياء ذكرها عن هذا الشعب الذي كان يوصف بالشدة والجلافة على مدى قرون، ثم وصل لقناعة أن العلاقات الاجتماعية والاحترام المتبادل يكونان أفضل مجتمع متفاهم ومتعاون وبسيط، لكنه منتج وناجح في الوقت نفسه. ومما ذكر لي أن الشخص الذي تطلب منه أن يدلك على مكان ما، يقوم بالأخذ بيدك حتى يوصلك لمكانك دون كلل أو استغراب أو ملل. أشخاص دلوه على مواقع تبعد أكثر من كيلومتر دون أن يتركوه إلى أن يتأكدوا من وصوله، برغم الفرق في اللغة والجنس، لكنه أمر حضاري نابع من قناعة شخصية كما هو واضح.

أمر آخر قد لا تجده في أغلب دول العالم هو رفض البقشيش. هناك كثير من دول العالم لا يمكن أن يقبل منك أحد أن تخرج من مطعم دون أن تدفع ما يسعد الجرسون، بل إنه قاعدة يدل عدم الالتزام بها على قلة الذوق. يرفض الياباني أن تعطيه أي مبلغ مقابل العمل الذي يؤديه.

حتى سائق التاكسي الذي يوصلك لأي موقع يراعي ظروف السائح فعندما تخطئ في أي موقع، فالسائق يعيدك لموقعك دون أن يجعلك تدفع أي مبالغ إضافية. أوقف السائق العداد لمسافة تتجاوز أربعة كيلومترات ثم عاد لتشغيله مرة أخرى. مشاهد مثل هذه كثيرة، لكن الأمر الأخير الذي ما زلت أعجب منه، أطفال المدارس يذهبون للمدارس دون أن يكون معهم أولياء أمورهم بالقطارات التي تشغل كل شوارع المدينة، وأخيرا الابتسامة التي لا تفارق وجوه الجميع وهو الأمر الذي يجعلني أربط بين حضارتهم المادية وذلك السلوك الراقي وهو ما يحتاج إليه العالم ليعيش ويتقدم.

بقلم: علي الجحلي - الاقتصادية