رمضان العفو

انتشر في بداية شهر رمضان عدد من المقاطع التي تصور حالة الغضب، الذي يسيطر على كثير من الصائمين، خصوصا عند اقتراب موعد الإفطار، واستعجال الحصول على المراد من الماديات دون اعتبار لاستعجال الآخرين، الذين هم كذلك بصدد البحث عن مرادهم. كنت أقف أنتظر أمام بوابة أحد المساجد ومرافقي يسير متجها نحو السيارة، وفوجئت بمن خلفي يصر على إبعادي باستخدام منبه السيارة بشكل غير حضاري. يجب أن يعلم كل السائقين أن هذا السلوك مستهجن بشكل عام؛ لأن المنبه يقصد التنبيه وليس ممارسة عادية كما يعتبره كثير منا. 

يمكن أن يمر أسبوع في كثير من الدول دون أن تسمع صوت منبه سيارة، لكن الأسوأ من ذلك هو استخدامه في المواقع المحترمة وذات القدسية كالمساجد والمدارس والمستشفيات، وغيرها من المواقع التي يثير فيها لأمر الفزع أو القلق أو الانزعاج من قبل الآخرين، وهذا في مجال احترام الآخر. هذه الحالة التي يجب أن يركز عليها الواعظون، التي تسبب كثيرا من الخسائر والغضب والتدافع، لا تمت للشهر الفضيل بصلة، بل إن رمضان هو شهر العفو. نعلم أن كثيرا من الأسر تنتظر قدوم شهر رمضان المبارك لترى أبناءها الذين فقدتهم بسبب السجن لأي سبب. 

وهذه العادة المباركة التي تربط الإنسان والفرح برمضان الخير، هي من أفضل ما قدمته المملكة للعالم، فكثير من الدول الإسلامية نهجت النهج نفسه، ليحمل رمضان فكرة ومفهوم ومعنى العفو. صحيح أن هناك مؤثرات كيماوية وحيوية قد تدفع الواحد لرد فعل معين، لكننا يجب أن نلتزم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم"، هنا تبدأ الأرواح السامية في التحكم في القول والفعل، وهنا روح رمضان كشهر يحقق التعاطف والتقارب بين مختلف فئات المجتمع، ولعل هذا ما نحتاج إليه اليوم ونحن نشاهد كثيرا من التدافع والغضب يسيطران على السلوك العام في كل مكان، ولعل شهر رمضان يحمل أكثر من ذلك، وهو يأتي في فصل الصيف لترفع الحرارة من التحدي الذي يواجهه المسلم، وهو يعفو عن الجميع ويتقرب من الجميع.

بقلم: علي الجحلي - الاقتصادية