الرأي العام السعودي.. محاولة فهم

أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي للباحثين في قضايا الرأي العام الفرصة للتعرف على الكيفية التي يتم بها تشكيل الرأي العام السعودي نحو القضايا الداخلية والخارجية، فاستخدام السعوديين لشبكات التواصل الاجتماعي هو الأعلى عربياً، والقضايا المثارة عليهم وبهم أصبحت معلومة، كما أن وصف الرأي العام المحلي ووظيفته عملية ممكنة ومتاحة وتقل بها مستويات التعقيد: الرأي العام السعودي بعمومه بشبكات التواصل الاجتماعي يشبه "الحشد" الذي يحركه بالكامل عنوان واحد، إما مؤيد له أو معارض، رأي في أغلبه يوجه ولا يناقش، فوعيه السياسي قائم على تسجيل المواقف وليس مناقشة القضايا، فهو سهل التشكيل، وسهل الحضور.

موقفه من القضايا الاستراتيجية داخل بلده تحددها قناعات الخارج وليس واقعه المحلي، فتجده يردد نفس مقولات الشعوب العربية التي تشهد بلدانها انهيارات أمنية ومجتمعية، ويجعل منها تجربة خاصة له، فيذكر وضعه الأمني والاقتصادي بعبارات الدول العربية التي تشهد حالة فوضى، وليس بلغة المعيشة المستقرة التي يعيشها، "غلاء، ضعف أمني، فساد" يصف وضعه بالانهيار، وواقعه عكس ذلك، فهو في أغلبه يحيا حالة فوضى متخلية استعارها من جواره العربي.

قادة الرأي العام المحلي في شبكات التواصل الاجتماعي يغلب عليهم الطابع الأيدلوجي الموجه، أكثر من الطابع الوطني، فالايدلوجيا مهما حاولنا التخفيف منها إلا أنها مازالت هي العنصر المؤثر على تشكيل الرأي العام وخاصة أيديولوجيا التيارات الإسلامية، فقادة هذه التيارات استفادوا من التعبير عن مصالح الدين الإسلامي وهم بدولة إسلامية وظيفتها خدمة الدين، إلا أن السياقات التي تقدم بها مصالح الدين التي يستخدمونها تقوم على استخدام الدولة وصفتها الإسلامية لتمرير بعض المحظورات، وليس على قاعدة أن الدولة تمثل الإسلام وتقوم على خدمته، فهم بهذا على المدى الاستراتيجي سيصنعون حالة مواجهة بين الدين والمجتمع الذي يؤمن بأن الدولة تمثل الدين الإسلامي الوسطي وليس دين التيارات المؤدلجة سياسياً.

الرأي العام السعودي لم يعد رأياً عاماً هلامياً يوصف بلا شيء، بل أخذ الشكل الخطي المتصاعد باتجاه التأثيرات على القرارات والخطط المطروحة للتنفيذ، وقوته تكمن بحضوره الدائم في القضايا الاستراتيجية: "مؤيد – معارض" وحضوره القوي يعبر عن قوة التيارات المؤدلجة وتنظيمها وليس نتيجة وعي مجتمعي عام، فقد أسست تلك التيارات خبرة ليست بالبسيطة في معرفة توجهات الرأي العام المحلي، وهذه الخبرة ضعيفة لدى بعض المسؤولين الذين يفترض أن يكون لهم حضور واضح في قضايا الرأي العام، فالمسؤول لدينا صنع له تجارب مع الإعلام الخارجي والرأي العام الدولي أكثر من تجربته مع الرأي العام المحلي، وهذا طبيعي في ظل التحديات الخارجية الكبيرة وانعكاسها على الوضع الداخلي، ولكن هذا السبب يجب ألا يعيق قيام تجربة رسمية تفهم الرأي العام السعودي.

بقلم: د. مطلق بن سعود المطيري - الرياض