الوزير والإقناع

«حدثوا الناس بما يفهمون...» قاعدة إقناعية أسسها أشرف الخلق عليه السلام، ليعمل بها كل من تولى مسؤولية عامة تعتمد على الخطاب، فالكلام للناس بالشأن العام فن إقناعي، يوجه للعقل والضمير معا، مرة يصدم ومرة يحذر وأخرى يبشر ولكنه في كل المرات صادق، فالإقناع لا يقوم على قاعدة «الجمهور عاوز كده» أو أخذ من فمه وصب بإذنه! فهو غير ذلك تماما، فإما أن يكون يؤسس لوعي جديد، أو يقاوم أفكاراً قديمة، فنحن اليوم نواجه كلا الهدفين تأسيس وعي ومقاومة أفكار.. ولكن كيف يكون الحديث للناس بالشأن العام، من الأعلى أو التسلح بالقوة والسلطة، أو الاعتماد على مبدأ المشاركة؟

الحقيقة الأولى التي يجب أن نأخذ بها هي أننا نمر في مرحلة تحول تقوم على المشاركة في كل شيء وأول هذه الأشياء رأس المال الفكري، فالمسؤول اليوم ولا سيما الوزير، يواجه تحديات كبيرة في عملية الإقناع، وإن لم يقرأ وعي الناس جيدا، ومعرفة الأدوات الفكرية التي يملكونها لا يمكن أن يحقق تواصلا فعالا معهم، فأدوات الجمهور الأساسية الدين والوطن، فالدين والوطنية هما رأس المال الفكري للناس، المسؤول مثلهم مسلم وسعودي، ولكن كيف يتم التعبير عن هاتين القيمتين؟ هذا التشابه يفترض أن يكون رصيدا قويا بيد المسؤول، ولكن ليس دائما التشابه عنصرا قويا في تصميم الخطاب الموجه للناس، خاصة في مرحلة التحول، أولا على الوزير أو المدير أن يتخلى عن صفة أنه صاحب سلطة ويمثل الإرادة السياسية العليا، فالناس لا تقبل أن يكون محدثها مستقويا بسلطته، أو أنه ينفذ توجيهات عليا، فالكل يحترم التوجهات العليا، والكل أيضا يعرفها، فعندما يلجأ المسؤول لهذا الأسلوب في تقديمه لتوجه جديد أو التعليق والرد على انتقاد يكون بذلك وضع حاجزا بينه وبين الناس، فوزير مثل الجبير أو توفيق الربيعة أو مسؤول مثل أحمد عسيري جميعهم ينفذون سياسة عليا، وجميعهم حظوا بتأييد شعبي كبير، لأنهم عرفوا قيمة رأس المال الفكري للناس والوطن، وخلقوا تواصلا شعبيا فعالا مع تصريحاتهم ومؤتمراتهم الصحفية، والناس كانوا منصفين لهم، بل ومشجعين لهم، فقد كانوا أي المسؤولين المذكورين بمسؤولية وليس بسلطة، مسؤولية تنطلق من الحفاظ على الثوابت والأهداف، فمن تكلم مع الناس بسلطة خسر القوة والشعبية، فالوزير الذي يرى أن الناس ما هم إلا كائنات تنفذ الأوامر عليه مراجعة قناعاته، القيادة في هذه البلد لا تمنح السلطة من أجل تعزيز مكانة شخص بل من أجل التنازل عن المكانة لصالح الناس ومصالحها واحتياجاتها.

بقلم: د. مطلق بن سعود المطيري - الرياض