القضاة وتجارة الأراضي

إحدى الروايات المأثورة عن الشيخ عبدالعزيز بن باز أنه رفض تولي مهمة القضاء مخافة وورعا، فهذا الشيخ ابن باز فما هو حال من هو أدنى منه مرتبة بالعلم الشرعي؟ فالقاضي عند شيخنا ابن باز أكثر تأثيرا على المجتمع من المفتي والأستاذ الذي يعلم الدرس الشرعي، دولتنا تقوم الأحكام بها على الشريعة الإسلامية التي تحمل العامل في سلك القضاء مسؤولية في الدنيا والآخرة، لذلك حرصت الدولة على إعطاء القاضي امتيازات وحصانات لا تعطى لغيره من كبار موظفي الدولة، حتى لا تعين النفس الآمرة بالسوء عليه وتتأثر العدالة بحاجات القاضي الدنيوية، وفي كل مكان في العالم القاضي محمي بامتيازات وحصانات تمنع تسلل الطمع لنفسه، إلا أننا في المملكة نزيد على المصلحة في الدنيا أجرا عظيما في الآخرة.

الزميلة الوطن نشرت الاثنين الفائت حكما قضائيا على قاض يجبره على دفع أكثر من مليونين لمواطن على خلفية شراء أرض في مكة، فالقاضي حسب الزميلة الوطن يعمل وسيطا عقاريا..، نتوقف عند كلمة وسيط التي تترجم حسب مهنة التجارة سمسارا، فالسمسار كما هو متعارف عليه بثقافة السوق له مواصفات لا تتفق مع مهنة القاضي، فطرقه في الإقناع وأسلوب تحية الزبائن تحتاج لشيء من تخفيف الوقار الذي يتمتع به القاضي، هذا جانب أما الجانب الآخر فإن النظام يمنع القاضي من مزاولة التجارة إن كان على رأس العمل، فكيف بقاض يخالف النظام ويحكم على مخالفي النظام بعقوبات تمنحها له وظيفته كحارس للعدالة، ملاحظة مثالية تتفق تماما مع مهنة القاضي المثالية التي ترتفع فوق الشبهات قولا وعملا.

أكثر من قضية نشرتها الصحف كان أحد المتهمين بها قاضيا من أراضي الشمال إلى المدينة المنورة، ما يتطلب وقفة جادة من وزارة العدل لتخليص سلك العدالة من أصحاب المطامع الشخصية، فليس كافيا أن يصدر قاض على قاض حكما يرجع المال لصاحبه، فالمجني عليه بهذه القضية هو مهنة القضاء ونحن لا نتكلم عن قضية بعينها أو قاض بعينه، فالحديث عام عن قضية لها انعكاسها على تطبيق الشرع ومواصفات الرجال التي تقوم بتطبيقه، فهؤلاء الرجال هم نخبة النخبة في المجتمع وأحكامهم قبل أن تكون صوت العدالة فهي درس تربوي يتعلم منه الأجيال النزاهة والعدالة، فكم قاض في تاريخنا الإسلامي خلد اسمه حكم قضائي واعطاه مع الوقت قيمة تربوية خالدة، فقصة الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مع اليهودي خير دليل على الدرس التربوي للقضاء العادل، حكم جعل اليهودي لا يقر بحق الإمام علي ولكن زاد في الإقرار بأن دين علي والقاضي هو دين الحق.


بقلم: مطلق بن سعود المطيري - الرياض