تنفيذ الرؤية والرأي العام السعودي

هل الرأي العام مؤيد لرؤية 2030؟

بداية لا بد أن نعرف وزن الرأي العام السعودي، وقدرته على ترجيح كفة قضية على قضية، الحقيقة الصادمة أنه لا توجد دراسة علمية سعودية تصف بحيادية معرفية طبيعة الرأي العام السعودي واتجاهاته وتأثيراته، ولكن أمام الباحث النوعي الذي ينتمي للمدرسة النقدية فرصة أن يقدم قراءة نقدية لفهم طبيعة الرأي العام السعودي: الرأي العام السعودي الحديث تشكل حول القضايا الإسلامية الكبرى، بداية من الجهاد الأفغاني، حيث تعزز الوجود السعودي في تلك القضية على عدة مستويات: المشاركة المباشرة في القتال والدعم اللوجستي، من تمويل ودعاية، ونجح الرأي العام السعودي في هذه القضية وخلق لنفسه علامة فارقة تجعل حضوره في قضايا العالم الإسلامي حضوراً ضرورياً خاصة القضايا الجهادية.

بعد اكتشاف أن الحرب في أفغانستان ليست جهاداً في سبيل الله بل صراعاً سياسياً بين قطبين كبيرين في البداية وانتهى الى صراع سياسي وعسكري بين قادة الجهاد، وأصبح المجاهدون يقتل بعضهم بعض لأجل الحصول على مواقع الزعامة، وهنا تحرك الرأي العام السعودي للبحث عن مواقع جديدة لخدمة قضايا الإسلام مثل الشيشان والبوسنة والهرسك، وجذبت هذه القضايا شباباً كثيرين، إلا أن مآلات الحروب السياسية، التي كانت نتائجها لا تفيد بأن العمل الإسلامي الجهادي في الخارج عمل إسلامي خالص، وهنا بدأت الدعاية السياسية لتلك التيارات الإسلامية تتجه نحو الداخل السعودي، لإحياء فكرة الأمة الإسلامية المزعومة من المملكة، وكان ذلك مخططاً كبيراً شارك فيه عدد ليس بقليل من أصحاب الفكر الجهادي، ومارس القائمون على هذا المخطط تأثيرهم على الرأي العام السعودي، وأوجدوا لنفسهم مكاناً مؤثراً في الجامعات والتعليم بشكل عام، من أجل السيطرة على المعرفة التربوية لإنتاج ايديولوجية جهادية جديدة، تحقق منها شيء وفسد منها شيء، من فترة التسعينات الى ما قبل الربيع العربي بعام أو عامين كانت قضايا الرأي العام قضايا تخص مفهوم الأمة الإسلامية وليست قضايا سعودية خالصة، ولازالت هذه الدعاية تمارس بعضاً من تأثيراتها خاصة في صغار السن.

بعد الربيع العربي وأثناءه رشحت قضايا جديدة للرأي العام وأغلبها قضايا تعتمد على الخدمات من سكن وبطالة وتعليم وصحة، واستفاد الرأي العام من شبكات التواصل الاجتماعي في تجميع الأصوات وتوصيل رسائله للمسؤولين كمطالبات وطنية عامة وليست فردية، وفي هذه الفترة تشكل مايسمى تأثير الرأي العام السعودي، إلا أن لعبة اختبار قوة التيارات لم تكن غائبة، فقد اتجه أقطاب الدعاية السياسية الجهادية للقضايا الخدمية ليجعل منها جسراً يصل من خلاله الى قطاع عريض من الجمهور، أي خلق ما يمكن تسميته أدلجة المطالب الخدمية، وتحويلها إعلامياً من خدمات عامة الى أفكار سياسية، تحدد إطاراً واسعاً للصراع، ولا يتم ذلك لهم إلا عن طريق المطالبات الخدمية، ووضع عوائق متخلية أمامها، مثل عائق الفكر الليبرالي، لكي تتحول قضية السكن والبطالة من قضايا خدمات عامة إلى قضية صراع اتجاهات فكرية..

بعد رؤية 2030 مفهوم الرأي العام السعودي يجب أن يعرف وفقاً للمستقبل وتحدياته، التي تتضمن مسألتين خارجية وداخلية، فهناك دول ليس من صالحها تنفيذ المملكة مشروعها التنموي وإحدى الوسائل المتاحة أمامها العمل على ضرب الإجماع السعودي حول مشروعه التنموي، وداخلياً قد يعمل تيار معروف بانتقاده لأغلب خطط التنمية على تحويل مفهوم الرؤية إلى مفهوم مضاد للإسلام، فأهدافهم ليست تنموية ولا يملكون رؤية استشرافية نحو المستقبل، كل مالديهم من خبرات ورؤى تتعلق بتجارب أفغانستان وما شابهها من وقائع، ومشكلتهم أنهم إلى الآن لم يقتنعوا أن مشروعهم فشل بسببهم وليس بسبب الآخرين. انتهت المساحة وقد نعود..

بقلم: د. مطلق بن سعود المطيري - الرياض