نظام إعلامي سعودي جديد

الإعلام هو التخصص الوحيد الذي يستطيع التطور والعمل خارج سياق القانون والتشريعات بدون أن يكون هذا الخروج عملاً غير قانوني أو وطني، فالتشريعات التي تنظم العمل الإعلامي في أغلبها أخلاقية وتخضع للعرف أكثر منها للقانون المدون، فكسر العرف يتم في بعض الأحيان برضى وقبول، وفي بعضه الآخر يحاسب بقانون، حتى جرائم الإعلام تختلف عن الجرائم الأخرى من قتل وسرقة ومخدرات؛ فهذه الأخيرة جميعها مرفوضة أخلاقياً، أما جرائم الإعلام المتمثلة في التعريض بالأشخاص أو المواقف أو السياسات قد تكون أعمالاً أخلاقية وربما اعتبرها الجمهور أعمالاً بطولية، فالخربشة التي يمارسها الإعلام على وجوه بعض المسؤولين فهي قانوناً أعمال متجاوزة للقواعد القانونية للمهنة، ولكنها عند الجمهور جرأة مطلوبة، فالقاضي الفعلي أو الحكم على العمل الإعلامي هو الجمهور.

فالنظام الإعلامي الجديد هو نظام يختص بالجمهور أكثر من اختصاصه بالوسائل الإعلامية، فالتلفزيون أو الإذاعة أو الصحافة هي وسائل إعلام تقليدية والتي كانت تشكل وعي الجمهور نحو القضايا المطروحة، وحضور الجمهور بها يكون حضوراً تابعاً وردود أفعاله لا تحسب إلا إن أراد القائمون على صناعة الإعلام الأخذ بها، كأن يقومون بأعمال مسحية لمعرفة توجهات الجمهور نحو الأعمال التي ينشرونها، عمل تقليدي من أول السطر حتى نهايته، فالوسائل الإعلامية التقليدية اصبح تأثيرها مرتبطا بالجمهور ورضاه عنها، وليس كما كان في السابق وسائل الإعلام هي من تربط الجمهور بها، حتمية تقنية جعلت أخبار الجمهور وتعليقاتهم هي المادة الإعلامية التي تحظى بالنشر والمتابعة، فأصبحنا اليوم أمام جمهور يصنع إعلامه سواء بعمل أمين وأخلاقي أو غير ذلك، وكل محاولة لتأطير عمل الجمهور الإعلامي بقوانين سوف يتم كسرها، هل يعني هذا ان النظام الإعلامي الجديد هو نظام فوضوي؟ ربما الإجابة تؤيد ذلك وان عارضته تكون معارضتها ليست معارضة قطعية أي تنفي وجود الفوضى ولكنها قد تقلل من سيطرتها ونفوذها وهذا أكثر شيء ممكن أن نخالف به وجود الفوضى، نقر بوجودها ونقلل من خطورتها.

الجمهور اليوم ينتج أعمالاً درامية ويصمم الإعلانات وينشر الأخبار بدون أن يمتلك استديوهات تلفزيونية أو وكالات إعلان أو يتبع قوانين نشر محددة، فنظام الإعلام الجديد نظام مختلف عن النظام الإعلامي التقليدي، هذا التغير الكبير لم يضع القائمين على صناعة الإعلام أمام مسؤولياتهم القانونية أو السياسية ولكنه وضعهم أمام تحديات فرضها عليهم جمهور الإعلام الجديد، الذين لم تعد تسميتهم بالجمهور تسمية مناسبة ولا المستخدمين فتلك تسميات وجدت لوسائل مختلفة ولطبيعة استخدام مختلفة أيضاً، الإعلام الجديد إعلام الحياة الجديدة ورسالة الناس الى الناس، هو إعلام تعارف وإعلام لتبادل الأخبار والمعلومات والترجمات، وإعلام الحروب النفسية والدعايات، والانحرافات، فبعد عشر سنوات من الآن سوف يتشكل لنا جيل منفصل تماماً عن الإعلام التقليدي ويكون هذا الجيل هم من يصنع معارف الناس وتوجهاتهم، الوعي سوف يتغير ولكن إلى أي اتجاه؟ هذا أمر ليس غائباً ولكنه مسكوت عنه، والمطلوب التفكير الجدي بنظام إعلامي جديد ينبع من المواطن العادي قبل أن يكون نظاماً يحاكي قناعات المسؤول.


بقلم: د. مطلق بن سعود المطيري - الرياض