المملكة التي تجمع ولا تفرق

 في أقوى رد على كل المشككين في متانة العلاقة التي تربط بين الرياض والقاهرة جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التاريخية إلى مصر، هذه الزيارة التي تمثل أهمية بالغة في مرحلة حاسمة تمر بها المنطقة في ظل حالة من غياب الاستقرار والأمن في خمس دول عربية في الشمال والجنوب والغرب.

كان يراد لمصر أن تكون السادسة، ولولا عناية الله ثم الوقفة المشرفة للمملكة لكان الأمر كذلك، هذه الوقفة التي حاول أعداء البلدين التشكيك فيها وفي استمراريتها بعد رحيل المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلا أن زيارة ملك الحزم بما تضمنته من مذكرات تفاهم ومشروعات واستثمارات مليارية لم تدع المجال لأي تأويل بعد الآن.

وفي ذلك أيضاً رسائل إقليمية بالغة الأهمية فبعد أن جمدنا المعونات العسكرية والأمنية للبنان شكك البعض أيضاً في الأهداف التي أدت إلى هذا القرار فهناك من قال بأنه جاء نتيجة لتراجع أسعار النفط وعجز الرياض عن الوفاء بالتزاماتها السابقة، فها هي تساهم في قيادة التنمية في مصر وتنفق أضعاف ما وعدت به لبنان، ليبقى السبب الحقيقي والمنطقي وراء تجميد هذه المنحة هي المواقف التي تبنتها مؤخراً الحكومة اللبنانية المخترقة من أعداء المملكة وعلى رأسهم إيران.

عندما تابعت مراسم توقيع الاتفاقيات المشتركة في قصر الاتحادية عادت بي الذاكرة إلى مطلع العام الماضي عندما أجريت لقاء تلفزيونياً مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في نفس المكان، حينها شدد الرئيس المصري على تقديره البالغ للمملكة ولشخص الملك سلمان، هذا التقدير الذي بادر للتأكيد عليه عندما اقترح تسمية الجسر البري المزمع بناؤه على البحر الأحمر ليربط بين البلدين الشقيقين باسم مليكنا الغالي.

هذا الجسر يتجاوز قيمته الاقتصادية والاستراتيجية بكثير فهو إلى جانب ربطه مجدداً بين الأراضي العربية في القارتين الآسيوية والإفريقية التي فرقها الاحتلال الإسرائيلي، والعوائد المادية العالية، يعكس روابط أخوية تتحدى جغرافية المكان والزمان.

في الأخير .. لا بد من الإشارة إلى أن هذه العلاقة الراسخة بين المملكة ومصر قد تقود إلى التأسيس لتعاون ثلاثي مع تركيا التي تربطها أواصر وثيقة أيضاً مع الرياض رغم حالة الفتور الذي تشهده العلاقة بين أنقرة والقاهرة، تحالف من هذا النوع هو الذي نحتاجه للخروج من أزمات المنطقة وتبدو المملكة الدولة الوحيدة القادرة على خلق تقارب من هذا النوع لما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي وإسلامي يجمع ولا يفرق كما يفعل البعض.

بقلم: محمد الطميحي - الرياض