تسول إليكتروني
بمجرد أن تطالع أي موقع للتواصل الاجتماعي حتى تعتريك حالة من الإحساس باليأس بسبب كثرة القصص الإنسانية التي تطالعنا بها تلك المواقع، وبعضها يروي قصص أشخاص بمعرفات وأسماء لمواطنين رأوا في هذه المساحة المحدودة الوسيلة الأمثل لنقل معاناتهم بعد أن عجزوا عن إيصال أصواتهم بالطرق التقليدية، أو ربما كانت تلك المعرفات الغطاء الأمثل لممارسة ما يشبه التسول الإليكتروني بعيداً عن أعين الرقيب وفي غفلة من الجهات القادرة على ملاحقة أولئك الذين استغلوا حب الناس للخير ومساعدة الآخرين.
ومع افتراض النيّة الطيبة والحاجة الملحة التي قد تدفع البعض لنشر معاناتهم الشخصية، فإن ذلك بلا شك مؤشر خطير على وجود تقصير ما لدى بعض المؤسسات الحكومية في تتبع متطلبات الفئات الخاضعة لرعايتها، وتقديم المساعدة لها قبل أن تلجأ إلى تلك المواقع.
مواطن ينشر صورة ابنه على سرير المرض ويناشد أهل الخير المساهمة في علاجه في الخارج أو على الأقل التوسط في نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة لتلقي العلاج، امرأة توفي زوجها وترك لها خمسة أطفال دون معين، آخر يبحث عن مسكن يأويه وعائلته بعد أن هدد مالك البيت بطردهم إذا لم يدفعوا الإجار، شاب ينشر مقطع فيديو مؤثر وهو يحكي معاناته التي استمرت لسنوات في البحث عن عمل، وغير ذلك من القصص الإنسانية المماثلة.
كم وزارة ساهمت في وجود هذا الخلل؟ وكم إدارة فشلت في تلمس احتياجات الناس ودراسة أوضاعهم المعيشية؟ كم موظف رفض الموافقة على معاملة محتاج لأنه لم يستكمل الأوراق المطلوبة؟ ويبقى السؤال الأهم كم مسؤول حكومي بادر إلى إعلان استعداده للتفاعل مع تلك المشاكل فقط بعد أن أصبحت متداوله إعلامياً بشكل واسع خوفاً من المحاسبة التي قد تطاله من القيادة الرشيدة التي لا تقبل بوجود أي تقصير في حق أبناء هذا الوطن؟
هناك خلل خطير في طريقة التعامل مع تلك الحالات قبل وصولها إلى هذا الفضاء الذي لا يعترف بحدود المدينة ولا الدولة، لينقل قصصاً كان من الممكن معالجتها منذ البداية لو كان هناك إدارات حيوية قادرة على التفاعل السريع والحاسم مع معاناة الناس، بالطريقة التي تمنع استغلالها للإساءة للمملكة والتشكيك في قدرتها المشهودة على رعاية مواطنيها.
بقلم: محمد الطميحي - الرياض