جولة للتاريخ

لو أراد سمو ولي العهد أن يجعل من عودته إلى أرض الوطن مناسبة للتصويت على شعبيته، لامتلأت شوارع المدن السعودية بالأعلام، وملايين المواطنين الذين كانوا في لهفة الانتظار لهذه العودة الميمونة، بعد أكثر من أربعين يوماً من التأسيس لعلاقات استراتيجية جديدة مع أكثر دول العالم تأثيراً.. لكنه ليس كغيره.. إنه محمد بن سلمان.

ترك الصخب لكل عاصمة ومدينة يحط فيها رحاله، ليجعل منها مركز الكون السياسي والاقتصادي، فتسابقت وسائل الإعلام لتغطية كل زاوية من هذه الزيارة وما نتج عنها من اتفاقيات ومذكرات تفاهم عززت موقعنا الدولي ورسمت ملامح سياستنا الخارجية لأعوام.

لست بصدد الحديث عما دار في هذه الجولة التاريخية فمساحة كهذه لا تكفي لتناول يوم واحد منها، فما بالك بأربعين يوماً وعشرات المدن واللقاءات الاستثنائية مع أكثر الفاعلين والرواد خصوصاً في الولايات المتحدة التي نالت النصيب الأكبر من الاهتمام والتغطية.

في كل محطة استقبل الأمير محمد استقبال الملوك والزعماء وما من مسؤول سابق أو حالٍ إلا وسارع إلى اقتناص فرصة لقاء أو اجتماع مع من بدأ بمواقفه الشجاعة في تكوين الشرق الأوسط الجديد.

صوره، كلماته، وتصريحاته، تصدرت صدر الصحف الدولية وعناوين الأخبار طوال أيام، وما نتج عنها من جدل كان كفيلاً بأن يشغل أعداء الوطن الذين عجزت حملاتهم ومحاولات (شوشراتهم) أن تقترب من مستوى التأثير الذي أحدثه سموه.

لقد أشغلتهم يا سيدي بمواقفك الشجاعة وكشفت عن نياتهم وتلك المواقف الرمادية التي تدعي الحياد في التعامل مع كل خطر يهدد عالمنا العربي، أو حتى من ادعت المقاومة والممانعة فجعلت من قضايانا المصيرية شعارات جوفاء لم ولن تمطر سلاماً ولا أمناً مهما أبرقت وأرعدت.

في غيابه الأطول.. كانوا ينتظرون أن يحدث شيء ما في بلادنا.. كانوا يسوقون لذلك، ويخططون له ظناً منهم أن ما أحدثه من تغيير سريع وحاسم وما شنه من حروب على الفساد والتخلف ستجعل كياننا -في أحلامهم- عرضة للتفكك والانهيار.. تلك الأحلام تحولت إلى كوابيس يقظة يعيشونها مع ما تشهده المملكة من تلاحم بين القيادة والشعب الذي يساند بقوة كل خطوات التغيير.

حاولوا تحريك ميليشياتهم على حدودنا الجنوبية فأرسلوا معظم ما لديهم من صواريخ إيرانية مهربة نحو عاصمتنا ومدننا على أمل أن يُحدث ذلك لو تعديلاً طفيفاً على جدول زيارة سموه، أو لعله يقطع الزيارة ويعود على عجل، إلا أنهم غفلوا عن أنه حين غادر.. ترك الوطن أمانة عند أكثر من عشرين مليون محمد بن سلمان هم تعداد مواطني المملكة.

دفاعاتنا الجوية أسقطت كل صواريخهم وجعلت منها مزاراً لمن أراد أن يتعرف على شجاعتنا وجبنهم ومدى قوتنا وضعفهم فيما تسابقت أبواقهم لنسج القصص والحكايات الخيالية عمّا نتج عن تلك المحاولات الفاشلة من أهداف ظلت حبراً على ورق في كهوف عقولهم.

لقد عاد إلينا عودة المنتصر فاستقبلناه استقبال الأبطال.. وما كان لسياسي غيره أن يجعل من هذه الجولة التاريخية مدرسة في الدبلوماسية السعودية الحديثة التي رسمت الملامح الأبرز لعلاقاتنا مع الأشقاء والأصدقاء، والتي بلا شك أثارت بنجاحها غيرة وحسد كل من أراد لها الفشل، ودقت ناقوس الخطر لدى أولئك الذين يحاولون العبث بأمننا واستقرارنا.

بقلم: محمد الطميحي - الرياض