لماذا النهضة السعودية؟

في أدبيات نهوض الأمم تبرز الأخلاق، والوسطية، والاعتداد، والإخلاص، ونقد الذات، والشفافية، كمفردات رائجة في تلك الحقبة، وعلى المراقب لصعود أي شعب أن يتتبع مسيرة نهوضه ليكتشف أن لا فرصة لأي أمة أن يعتلي شعبها مشهد التاريخ دون أن يضع ضمن أولوياته قيماً يسير عليها لتهديه إلى حيث يطمح ويطمع.

إن محفز النهوض لدى أي شعب هو التطلع والحاجة إليه، وهذا يعني ضرورة توافر الرغبة والقدرة على استيفاء متطلبات تلك المرحلة عسيرة كانت أم يسيرة في المقام الأول، والظروف المواتية لتحقيقه في المقام الثاني، تلك الظروف والفرص إما أن تكون معدومة فتنهض الأمة كالعائد من الرماد أو تكون متوافرة فتجعل نهوضها أقل كلفة وأسهل على أبناء ذلك الشعب.

وإننا نرى أن أمام بلادنا فرصة مواتية للنهوض والالتحاق بركب الدول المتطلعة لريادة تاريخية، وتحقيق نموذج يمكن الاستدلال عليه وبه، يدفعنا بذلك استحقاق التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تحيط بنا، والتي يثير تعاملنا معها بحزم الكثير من المتربصين بنا والمناهضين لأي طموح نهضوي يجعلنا أصحاب تجربة تنموية وحضارية، فالمملكة التي تحتل قلب العالم الإسلامي الذي يعاني تدهوراً حضارياً منذ عقود طويلة، يمكن أن يسهم صعودها على جميع المستويات إلى حالة تعافٍ تدريجية تشمل كل عالمنا الإسلامي، فتأثير نهوض بلادنا أكثر من أي بلد إسلامي آخر، فماليزيا على سبيل المثال على الرغم من صعودها المثالي الذي جمعت فيه النمو والتحضر، إلا أنه لم يستطع أن ينعكس على دول العالم الإسلامي، لا لشيء إلا أنها ليست في موقع القلب، لكن عندما نهضت روما في القرن الرابع عشر الميلادي ألهمت أوروبا كلها لتنهض على أنقاض الحضارة الإسلامية التي بدأت منذ شع نور الإسلام في الجزيرة العربية واستمرت حتى اندثرت أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.

ولا عجب أن نرى اليوم كيف استهدفت قيم الإسلام بجلب التنظيمات المتطرفة والإرهابية مثل داعش وأخواتها، التي جيء بها للنيل من أخلاق ديننا وتشويهه، وذلك لإجهاض أي نهضة إسلامية بإلباس الأعمال الدموية والجنونية لباس الدين الإسلامي بل وتنصيب «خليفة»، وذلك للنيل من تلك الرمزية بإصباغها على شخص إرهابي، إن قيمة الأخلاق في كل نهضة تحتل موقع الصدارة، فهي كما يقول غوستاف لوبون المفكر الفرنسي أساس قيام كل نهضة وأساس لانهيارها.

إن علينا نحن كشعب سعودي أن نعلم بأننا نعيش فرصة لتحقيق نهضة شاملة يدعمنا فيها شرف خدمة الحرمين، وأمن مستتب، واقتصاد متماسك، وكلها عناصر تجعل مهمة انطلاقنا ضرورية الآن، لأن تأخرنا أو تسويفنا قد يحوّل تلك الميزة إلى حمل ثقيل، قد لا نستطيع القيام بعدها إن نحن فرطنا في هذه اللحظة التاريخية، والشواهد على ذلك كثيرة، فالدول في محيطنا العربي التي فوتت الفرصة على نفسها، ودخلت في صراعات داخلية مزقتها وحطت من قدرها، وبالتالي صار تماسكها صعباً وصار من باب أولى نهوضها أقرب إلى المستحيل، وأصبح الطريق الذي كانت ستقطعه في بضع سنين قد يستغرق عقوداً، فالتركة ثقيلة والأعباء متراكمة وما تم اكتسابه وارتكابه من سلبيات خلال سنوات لا يمكن التخلص منه بسهولة.

إن من الضروري أن ندرك بأن مسؤولية نهضة أي أمة ليس مرهوناً بالدولة أو الشعب بل بهما سوياً، فلا يمكن لأحدهما أن يقوم بالمهمة وحيداً، فتلك تدعى مهمة ناقصة.

بقلم: أيمـن الـحـمـاد - الرياض