المواطنون وقود الجنادرية

 لما كانت الجنادرية حالة ثقافية تراثية بامتياز كان ولابد لهذا التراث من مقتنين مولعين بالاطلاع عليه، وفي حالة المهرجان الوطني لا شك أن المواطنين هم اليوم مادة هذا المناسبة ووقودها الذي يعطي أيام هذه الاحتفالية الثقافية طاقة وتألقاً ونكهة خاصة، فإقبال الناس على موقع الجنادرية والالتحاق بركب الزائرين الذين يقدر عددهم ببضعة ملايين زائر في السنة قبل الماضية دلالة واضحة على أهمية هذه الاحتفالية.

يتطلع المواطنون الذين يقصون اليوم شريط افتتاح القرية التراثية التي يزورونها كل عام لعدة أيام، على أمل العودة لها في العام المقبل.. يزورونها ليكتشفوا ماضي بلادهم، فالمهرجان نافذة كبيرة ينظر من خلالها السعوديون على عقود ما قبل النفط التي لم يعايشها إلا نسبة قليلة منهم؛ لذا كان الشغف المليوني يترجم إقبالاً كبيراً وكثافة في أعداد الزوار الذين يعودون وقد اطلعوا على جوانب من ثقافة بلادهم المتنوعة.

وانطلاقاً من إقبال الجمهور وكثرة عدده، يبدو استمرار الجنادرية وجعلها قرية تفتح أبوابها معظم أيام السنة أمراً مجدياً ومفيداً، ففي ظل ضعف صناعة الترفيه في العاصمة وقلة أماكن الترويح، يمكن استثمار القرية من خلال دعم المشروعات الصغيرة للأفراد، وتأجير مواقعها للشركات، وقد كانت تجربة "البجيري" ناجحة إذ تحوّل الموقع المطل على الدرعية القديمة، على الرغم من صغر حيزه المكاني إلى موقع ومزار ترفيهي يجمع رواده على تميزه وجمال فكرته التي امتزجت فيها العصرّنة والقِدم.

الجنادرية التي تحظى بدعم القيادة السعودية منذ انطلاقها قبل ثلاثين عاماً شكلت فرصة تبرز من خلال المملكة عن وجه آخر ذي صلة بماضيها يراه القادم إليها من الداخل والخارج، فالجنادرية تخبرنا عن قصة نجاح عبر فيها الوطن من مرحلة إلى أخرى، والذي يقف اليوم في أركان المناطق الموجودة في القرية التراثية ربما لا يعلم أن عهد بلادنا بهذه المنازل والآلات والحرف البسيطة كان قريباً ولا يربو عن مئة عام، ولا نبالغ إن قلنا إن التراث الوطني للمملكة يجد رغبة جارفة من المتابعين الذين يرون في الجزيرة العربية مكاناً ذا طبيعة خاصة، لا نستغرب أو نحتار عندما نقرأ ذلك في يوميات المستشرقين ممن قطع صحاري هذه البلاد، ونتساءل عما كان يبحث هؤلاء؟

بقلم:أيمـن الـحـمـاد - الرياض