الجيش الإلكتروني السعودي

فرضت الأحداث والتحولات إقليمياً ودولياً تغيراً كبيراً وجذرياً في شكل الصراع بين القوى المتنافسة، إذ أدى ذلك إلى بروز أدوات من شأنها ترجيح كفة دولة على أخرى، وحسم معركة هنا وتعطيل عسكري هناك، لكن الأمر مختلف عما نعرفه في كلاسيكيات الحرب والصراع، فشكل المعركة اختلف اليوم وتبدل وتحوّل من الأرض إلى الفضاء السيبراني الذي بات ساحة معركة حقيقية.

أدت الصراعات الإقليمية إلى حالة من التنافس الشديد بين القوى في المنطقة، دفعها إلى استهداف كل ما من شأنه إلحاق الأذى بتلك الدولة ومرافقها، وبما أن هذه الحرب ليست منظورة ومحسوسة، إذ لا جبهة تلتحم فيها الجيوش كان الضرب أكثر مكراً وأشد فتكاً، فالأضرار لا يمكن توقعها، والموعد لا يمكن التنبؤ به، ما يستوجب تجهيزات خاصة من أجل الوقاية ودفع الضرر قبل الوقوع فيه.

فالجيوش النظامية تمتلك أذرعة جوية وبرية وبحرية وأصبح اليوم لديها ذراع ذو قدرات خاصة لا يقل تأثيره عن أيّ من باقي القطاعات العسكرية بل إن أثره يتعدى في بعض الأحيان ضرر الأسلحة التقليدية.

كما برزت إضافة إلى الجيوش النظامية، المجموعات الإرهابية التي استطاعت من خلال رعاية بعض الكيانات النظامية لها التعرف على طبيعة الحروب السيبرانية وإدارتها، فبدأت تجنّد وتدرّب على أعمالها الإرهابية عن طريق الشبكة العنكبوتية، بل وتقوم بهجمات هنا وهناك على بعض المواقع الخدمية أو الإعلامية.

ومثلما نعمل اليوم على اقتناء الأسلحة التقليدية الأكثر تطوراً، يجب علينا أن نمتلك السلاح والجيش الإلكتروني الأكثر تقدماً ومهارة، فالمملكة وحسب الإحصائيات الرقمية تعتبر إحدى الدول الثلاث المستهدفة من قبل "القراصنة" في فضاء الإنترنت، والتقارير الصادرة عن الشركات المعنية بالأمن الإلكتروني تشير إلى ازدياد الهجمات على الأنظمة الحاسوبية في المملكة، التي يهدف "القراصنة" منها جمع المعلومات، وإحداث خراب في الخوادم والملحقات والخدمات التي تقدم عن طريق شبكة الإنترنت أو تلك التي تدار بأنظمة شبكية حاسوبية، وقد واجهت المملكة هجمتين بارزتين: الأولى استهدفت الأنظمة الشبكية لشركة أرامكو، والثانية تم الهجوم فيها على قواعد البيانات في وزارة الخارجية، وكلا الأمرين نالا نصيباً كبيراً من النقاشات حول مستوى الأمن الإلكتروني لدينا، وكذلك قدرة المملكة على إعداد جيش افتراضي مهماته الرد على مثل هذه الهجمات.

إن الأمن السيبراني أو الإلكتروني يحتل اليوم موقعاً مهماً في أجندة أمن الدول، وهو ما حدا بالقمة الصينية - الأميركية الأخيرة إلى اعتبار هذا الموضوع البند الأول في اجتماعات تشي جين بينغ وباراك أوباما الأخير.

وفي ظل هذا الاهتمام الدولي يجدر بالمملكة التوسع في الأبحاث المتعلقة بالأمن السيبراني، وكذلك العمل مع الشركات المتخصصة، واكتساب الخبرات الدفاعية والهجومية، إضافة إلى إعطاء الشباب المؤهل الفرصة لتقديم ما لديه في هذا المجال الذي تديره عقول متوسط أعمارها العشرينات تقريباً، كما أن الهواة من البارعين في الاستخدامات الحاسوبية يجب أن يتم توفير الحواضن التي تطور من مهاراتهم في هذا المجال، فكثير من الثغرات في برامج الحاسب وبرامج تشغيل الأنظمة تم اكتشافها من قبل هواة، بل إن معظم أصحاب برامج الحماية والمضادة للاختراق والفيروسات هم في الأساس هواة.

بقلم: أيمـن الـحـمـاد - الرياض