لا تعتذروا عن الإسلام بل اعتذروا منه

أتاحت الحادثة الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية مساء الجمعة الفائت فرصة للتعرف على ردود فعل العالم الإسلامي على الحادثة، والتعرف على القدرات الإقناعية التي يمتلكها المسلمين للرد على سيل الاتهامات الموجهة لهم، فمثل هذا الأحداث عادة لا يكون المتهم بها شخصاً بهويته الفردية، ولكن يكون المتهم بها ثقافة وديناً، مما يجعل مهمة التصدي للاتهامات أمراً في غاية الصعوبة، فاتهام شخص في جريمة ما لا يكون مشكلة أمة يتم التعرض لتاريخها وعقيدتها بأقسى أنواع الإجراءات والمتابعة والترصد، فحدود ردة الفعل على جريمة الفرد تكون بينه وبين محاميه وأسرته القريبة، أما اتهام ثفافة فعادة ما يتبعها سياسة إلغاء لمصالح ووجود وربما تؤدي لحروب على كل منتسب للثقافة المتهمة، لذلك يكون الرد على مثل هذه الاتهامات قضية صعبة ومعقدة جداً.

المنفذ الأول الذي رأينا به ردة الفعل الإسلامية على هذه الحادثة هي القنوات الفضائية العربية، التي ألغت جميع برامجها وركزت على تلك الحادثة لتصنع لنفسها ولمشاهدها درجة من المتابعة الآنية والمستمرة، ويمكن أن نقول إنها نافست الإعلام الاخباري الفرنسي في ساعات البث، فالأحداث المهمة دائماً ما تحظى بمثل هذا الاهتمام، ولكن يبقى المضمون والمهمة بالنقل مختلفة بين الإعلام الفرنسي والإعلام العربي، فهذا الأخير مهمة صعبة جداً، فكيف يكون إعلاما مشاركا بهذه الحدث وحياديا وهو ينتمي للثقافة المتهمة بالحادث الإرهابي، فكان فعلاً هذا مأزقها الحقيقي، فقد بدأت وكأنها تعتذر أكثر من أن تكون ناقلا محايدا للحدث، فصنعت صيغ اعتذار غير مسبوقه بقاموس الاعتذار والمجاملات، حيث كان مضمونها شيئا من الاعتذار عن الدين الإسلامي وليس له، فقد اعتمدت تلك القنوات على الأمر الأسهل وهو الاعتذار للانتساب لهذه الثقافة المتورطة في الإرهاب، فعندما تذكر ان ثقافة الغرب أتاحت للإرهابين الحياة الرغدة والحرية والأمن وتنكروا لها، فهي تقول إن الالتزام بالثقافة الإسلامية كنمط معيشي مقبول أسلوب لا ينتج عنه إلا فكر متطرف يجب التخلص منه، وان النجاح في الغرب يعتمد على القدرة على الانصهار التام بثقافته بشكل تام، ومن لم يستطع عليه المغادرة، قمة الاعتذار المشين والعاجز وقمة الانحدار الفكري، الذي أراد أن يشارك في تغطية الحدث، وقدم الاعتذار السيئ وسوق الاتهامات العنصرية ضد الإسلام.

صورة الإسلام في الغرب ليست بالصورة المثالية ولا الحقيقية، فهي صورة سلبية ومتهمة بالإرهاب والتخلف قبل حادث الجمعة في باريس، تبدأ السلبية من الإعلام والشارع والمؤسسات السياسية والثقافية، فكل الناجحين المسلمين المشهورين في ديار الغرب هم في الأغلب متميزون بسبب تنكرهم لثقافتهم الإسلامية، فعداوة المسلم لدينه في الغرب تجعل منه نجماً جماهرياً وبطلاً حضارياً تخلّص من التخلف وقاومه بسلاح التنكر لدينه.

إرهاب داعش إرهاب عام لا يفرق بين مسلم وغيره ولا بين مصلّ ساجد وزنديق فاجر، فكل من لا يدخل في ولاية دولته فهو عدو له، وأفراده المؤمنون برسالته فيهم من لا ينتمي لثقافة الإسلام، وانتماؤه لثقافة داعش الدموية وثقافة الغرب التحررية، فالإنسان الغربي الداعشي ليس نتاجا أصيلا للثقافة الإسلامية، وعداوته لأصله الغربي شيء نابع من حضارة الغرب وثقافته وليس من الدين الإسلامي، ولكن لكي يعبر عن اعتراضه على ثقافته الغربية احتاج لعنوان دموي، وداعش وفّر له هذا الاحتياج.. نحن المسلمين نقع بين مأساتين، وحشية داعش وعنصرية الغرب.

بقلم: د. مطلق بن سعود المطيري - الرياض