لماذا يحارب الإسلام السياسي؟

الإجابة توجد لدى الكثير منا إن لم تكن عند الجميع، ولكنها إجابة لها اشكال متعددة في حجمها وصوتها وعقلها، وتتفق على شيء واحد هو ان الاسلام السياسي محارب، وكل بلاد الدنيا تريد التخلص منه، وان سألت لماذا؟ فتحت عليك سيلا عارما من الاجابات، فبما انك اعطيت نفسك حق السؤال تحمل عنف الاجابة، لا تأصيل تاريخيا لهذه المسألة فقد اكفتنا احداث الربيع العربي ثقل المؤونة التاريخية، فبه من التجارب العميقة ما يغني عن درس الماضي وجدران سجونه والملاحقات من بلد الى بلد.. الاجابة الاكثر تداولا هي ان العلمانيين لن يسمحوا للإسلاميين بالوصول للسلطة.

فهل هذا الكلام صحيح؟

لا اختلاف او انكار لدي ان الاسلام دين ودولة، "نحن قوم اعزنا الله بالاسلام" نقلنا من ضيق الجاهلية الى سعة الفكر العادل والتدبر، احرارا من غير تسلط بسلطة، تجربة ربيع الثورات العربية عرفتنا على واقع ممارسة الاسلام السياسي الذي ابدى قدرة عجيبة على التنازل عن كل شيء بما فيها المبادئ الدينية في سبيل الوصول للحكم، وكل تنازل يقدمونه يكون مسنوداً بفتوى ورأي شرعي لسد باب الاختلاف او الاعتراض، حالهم كحال الانظمة التي انقلبوا عليها، المهم ليس تصحيح العمل الظالم بل القدرة على تبريره وعقلنته، حتى اصبحت جميع الاخطاء عاقلة ورشيدة، حملهم على ذلك قناعتهم بان الناس تحب الدين ولا تعرفه، فكن انت المعرفة التي يجهلونها، لا يريدون ان يجادولوا اهل الدين بدين، ولا يريدون اهل السياسة ان يعترضوا عليهم بسياسة بل بدين، فبالتناقض وحده تستطيع ان تفهمهم.

أغلب السياسيين الاسلاميين جاءوا من خلفية تجارية وليست دينية، او كان لديهم طموحات وتجارب تجارية فشلت ونجحت حسب البركة والتوفيق، فالسوق ميدانهم الذي خبروا اسراره ومخاوفه وفوائده، بالاضافة الى خبرات مهنية عالية المكسب، فثقافتهم الدينية لا تتجاوز ثقافة المسلم العادي اما ثقافتهم السياسية فحدودها الدعوة الى الخروج بمظاهرة والاشراف عليها أي يعرفون ان يصنعوا الغضب بدون ان يكون لديهم القدرة على السيطرة عليه، لذلك عرفوا بالفوضى في الحكم وخارج الحكم.

يذكرني وضعهم الحالي بوضع الرئيس السابق صدام حسين عندما واجه الموت فكان الموت خير تاريخ والاكثر إنصافا له من الحياة، فموته هو النقطة الإيجابية في حياته، فجماعات الاسلام السياسي هم تجسيد حي لحياة صدام حسين، هل ينصفهم الموت واللحظات النهائية اكثر من حياتهم، ام الامر فيه جولات جديدة، وانه لا يتعدى إفلاس تاجر يعرف كيف يعود للسوق ثانية، مرحلة صعبة لا يوجد بها لحظات اختيار متاحة فكل الخيارات محجوزة.

* نقلاً عن صحيفة "الرياض"