السياسة والتجار العرب!

التجارة بالدين عمل يهين التاجر ولا يهين السلعة، فالدين قيمته بتعاليمه ومبادئه وفوق هذا كله بالرب الذي نزله على الخلق وأمر باتباعه، أما قيمة المتاجر به يحددها التاجر نفسه إن باع للناس آراء خاصة وغلفها بآية أو حديث تكون الآراء هي المبادئ التي يأمر باتباعها وليس الدين" إنسان خارج عن الدين"، فالآراء هي التي تخلق التدين وتمهد السبل لاستخدام الدين لأغراض لا تخدم الدين، تجار الدين هم المنافقون الذين لعنوا من الدين وبالدين، فأمرهم مكشوف من فجر الإسلام الأول إلى هذا اليوم، فماذا عن منافقي السياسة؟

منافقو السياسة هم أحسن حالاً من منافقي الدين، فالسياسة تقوم على فن الممكن والغاية تبرر الوسيلة، أي أنها فعل ضد القيم السامية، وليس فعلاً يحترم القيم والأخلاق كالدين، هل هذا الكلام مقبول إنسانياً وأخلاقيا؟ وهل المكاسب السياسية غير الأخلاقية تعد إنجازاً تقوم عليه نهضة الأمم وتاريخها؟ المكر والحيلة أداة مطلوب استخدامها لصد عدوان أو تحقيق مصلحة عند عدو، أما الأصدقاء وبناء الوطن المكر عليهم خديعة وجريمة ترفضها مبادئ الأوطان قبل الإنسان.

العرب شهدوا جرائم سياسية عديدة، وجميعها كانت خارج الدول الخليجية، فقد استخدم السياسي العربي الخديعة والمكر للتعامل مع شعبه ليحقق مصالحه السياسية الخاصة، فكان وجوده في الميدان السياسي وجود المالك الوحيد للوطن وليس السياسي الذي يتغير بتغير الظروف، فما أن يضع زعيم عربي قدمه على بلاط السلطة، يُسقط كل قيمة للشعب والوطن، انظر إلى سياسيي العالم العربي من لبنان إلى سورية واليمن والعراق، نوري المالكي سقط ديمقراطياً وشعبياً في الانتخابات ولم يرضَ بتسليم السلطة إلا بعد مفاهمات ضمنت له مصالحه بالسلطة وضمنت أيضاً دوره في السياسة، سياسيو لبنان من أربعين عاماً هم نفس الأسماء في المعارضة والسلطة، فالمسألة تجارة ومصالح خاصة وليست وطنية ونضالاً، في اليمن صالح ليس استثناء عن هذه التجربة والثقافة فهو يرى أن الثلاثين عاماً التي قضاها في السلطة هي استثمار خاص له ، بذل به الجهد والتضحيات، ولن يتنازل عن أملاكه الخاصة، فتنازله يعد خيانه لمبادئه.

الآن نصل للموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه، فالدول الخليجية تتعامل مع هؤلاء السياسيين التجار، إن قاطعتهم اتهمها الشعب العربي بالتخلي عن عروبتهم، وان تعاملت معهم كوجود وسلطة اتهمها الشعب العربي بحماية الديكتاتورية، فالسياسة في المنطقة العربية تجارة غير نظيفة، ومقاومتها ليست عملاً خليجياً، بل مسؤول عنها الشعب الذي رضي بوجودها، فنفاق الأنظمة ووحشيتها قضية تجارة شارك فيها المواطن العربي منذ عقود، ويريد من الدول الخليجية أن تستعيد له استقراره الذي أضر به بنفسه، فقد عرف السياسي العربي كيف يكسب من ظلمه ومعارضته لبلده، في مثل هذه البيئة ماذا يريد الشعب العربي من الدول الخليجية أن تعمل؟!

نقلاً عن صحيفة " الرياض"