قراءة الواقع!

كلنا يعرف حكومة وشعباً أن محال المنتجات الفلسطينية والشامية في حي السليمانية في الرياض مملوكة لمقيمين ومسجلة بأسماء سعودية، وكذا محال «المنتو واليغمش» في حي البخارية في الطائف، ومثلها محال الخضار والفاكهة في حي المسفلة في مكة المكرمة، ومحال الاتصالات وإكسسواراتها في شارع خالد بن الوليد في جدة.

بين ظهرانينا رقم من ستة أصفار من المقيمين الذين لن يعودوا لأوطانهم، إما لأن أوطانهم لم تعد على الخريطة، أو أنها محتلة، أو هي بؤر ساخنة للحرب والإرهاب والصراعات، وهؤلاء لا بد أن يعملوا ويطعموا صغارهم، وتستمر حياتهم بإلحاح غريزة البقاء، وبالطبع لن يكونوا كلهم عمالة نظامية تعمل في المحال بالراتب الذي هو في كثير من الأحيان لا يكفي الحاجة، وفي بعضها لا يكفي الطموح.

تصاعد الحديث عن التستر مع تشديد وزارة التجارة وتشهيرها، وفتحها - مجدداً - لأحد ملفات الاقتصاد الخفي، ونظل نراوح في منطقة نعلم يقيناً أن ملامحها الحالية نتاج عقود من الإهمال، ثم نتاج تشوه ثقافة العمل والإنتاج، وتواطؤ المواطن قبل المقيم الذي يسعى منذ بدء مشروعه الصغير إلى تأجيره أو تسخيره للعامل لديه ليرتاح هو، ويقبض ثمن اسمه على الأوراق الرسمية، أو ما تعارف أهل السوق على تسميته «حق اللوحة».

أتساءل وبلغة حادة: ألا يمكننا ببساطة حظر عمل الأجانب في أنشطة التجزئة؟ الإجابة تبدو شائكة، لكنها في النتيجة النهائية تقول بالنفي، فأذهب إلى منطق السوق والاقتصاد وممارسات الأسواق ذات الحرية الاقتصادية والرخاء والوفرة لأسأل: ألا يمكننا السماح للأجانب بتسجيل ملكيات مشتركة مع السعوديين، أو ملكيات منفردة وفرض ضرائب عالية عليهم تجعل منافستهم للسعوديين أصعب؟ بالطبع يمكننا ذلك ولا أعرف لماذا لا نفعل.

لماذا لا نتكيف مع الواقع، ونتعامل، خصوصاً مع بعض الجنسيات التي نتحمل معها وأمامها مسؤولية تاريخية أو إنسانية أو سياسية، ممن نعرف أنهم باقون لفترة طويلة بمنطق اقتصادي سوقي يحقق رغباتهم، ويعود علينا بالنفع، ويجعل الصورة أكثر وضوحاً؟

في العام 2010 نقلت عن السيد طراد العمري وهو صاحب مكتب لتوظيف السعوديين في لقاء مع مجلة اقتصادية قوله: «السعودي في القطاع الخاص حظه سيئ، إن أصبح جيداً ومنتجاً خاف منه الأجانب، وبدأوا يحاربونه، ويضعون في دربه العراقيل، وإن أصبح السعودي رديئاً في عمله كرهه الأجانب ورجال الأعمال معاً، السعوديون اليوم برهنوا على نجاحهم بشكل لم يعد قابلاً للشك، شبابنا اليوم لم يعد من شك في قدراتهم وتفانيهم، انظر إلى البنوك وشركات الاتصالات والشركات الكبرى التي تصل فيها نسب السعودة إلى 98 في المئة».

ربما لو أسقطنا الأمر على المحال والأنشطة الصغيرة لبتنا أحسن حالاً، وربما نحن بحاجة إلى الاقتناع بأن هناك مهناً ونشاطات وقطاعات لن يعمل فيها السعودي مهما حصل، بدليل أنه يتركها بأرباحها ليقف على الأبواب في وظيفة رجل أمن خاص بدخل لا يتجاوز ربع أو خمس دخل هذه الأنشطة.

الواقعية الاقتصادية تنتج من قراءة واقعية للمجتمع والسياسة، والتسلسل التاريخي لأية مشكلة، فهلا فعلنا.

نقلاً عن جريدة " الحياة"