«ساند».. فصل في رواية

التأمين ضد التعطل الشهير باسم «ساند» يثير الجدل هذه الأيام مع قرب تطبيقه، يؤيده بعضهم، ويعارضه آخرون، وهو يكشف حالاً من الاستمرار في سياسات المسكنات بدلاً من سياستي الوقاية والعلاج.

أولا هو خاص لموظفي القطاع الخاص، أو المؤسسات الحكومية المشمولة بالتأمينات الاجتماعية، أي أنه لا يشمل موظفي الدولة في الوزارات المدنية والعسكرية. وهذا بقراءة عفوية بسيطة يعني أن موظف الحكومة مؤمن ضد التعطل، لأنه لا يمكن فصله، أو بعبارة أدق يحتاج فصله إلى معجزة إدارية، وهذا الأمر في بعده التنموي وفي ثقافة العمل يعطينا مؤشراً لعمق مشكلة الإنتاجية، وتواكل موظفي الحكومة.

لماذا لا يكون ما يدعو إلى فصل موظف القطاع الخاص أو المؤسسات الحكومية التي في حكمه، هو نفسه ما يدعو إلى فصل موظف الحكومة؟ ولماذا نضطر إلى تأمين جزء من الموظفين، والوثوق بأمان الجزء الآخر؟ هنا تصبح المعادلة غير عادلة، ويحق لمن امتعض من موظفي القطاع الخاص أن يشعر ببعض الغبن كون دخله سينقص ولو بمقدار ضئيل، ويحق لبعض شركات القطاع الخاص الامتعاض أيضاً؛ لأن مصروفاتها ستزيد بزيادة بند الرواتب، وربما تأثرت أرباحها تبعاً لذلك، وهذا يعني أيضاً تأثير طفيف في استثمارات المستثمرين فيها.

سيكون هذا البرنامج فصل في رواية المجهول التي اعتادها السعوديون مع مؤسستي «التأمينات» و«التقاعد»، الجهتان اللتان تأخذان من دخول الموظفين، وتستثمران في الداخل والخارج، وعليهما جزء كبير من تحمل الأمان الاقتصادي الوطني، وجزء مهم من الوضع السياسي المرتبط دوماً بالاستقرار الاقتصادي، وعلى رغم كل ذلك لا يتكرمان علينا بنشر قوائم مالية تخبرنا نحن المستفيدين المستقبلين منهما، والممولين الحاليين لهما كيف هو أداؤهما بالتفصيل، وتتيحان للجهات الرقابية، وللشعب ممثلاً في مجلس الشورى، مثلاً وأملاً، أن نحاسبهما إذا قصرتا، أو قصر مسؤولوهما الذين هم بشر يخطئون ويصيبون. إن هذا القرار ربما يبدو مفيداً، ولا نعلم ذلك على وجه الدقة قبل التجربة، لكنه يعكس حال العلاقة التي يعتقدها بعض التنفيذيين الحكوميين، والتي ترتكز على التنفيذ أولاً، وعلى عدم الإفصاح للناس الذين لا يفهمون، وكيف يفهمون أيها السادة وأنتم تكتمون «العلم» الذي تعرفون عنهم.

هل لكون اقتصادنا ريعي، يتسم بالإنفاق الدائم علاقة بتكون المفهوم المالي «اللاإفصاحي» إن صحت التسمية، كما يفعل بعض الآباء مع أسرهم من مبدأ أنهم «يكدون» عليهم، وعليهم أن يحمدوا ربهم. تبدو الصورة ضبابية، ويبدو التشكيك في حكاية «التعطل» عن العمل مبرراً وقابلاً للنقاش، فالتأمينات متورطة في ضعف تخطيطها، ومتورطة في مئات الآلاف من المؤمن عليهم صورياً بفعل سياسة وزارة العمل، والخشية أن تكون أيضاً متورطة أو تم توريطها في بعض الاستثمارات.

المزيد من الإفصاح حق مشروع؛ لأنها أموال الناس، وأمان الوطن، ولأنها ستتيح لبعضهم نصح التأمينات أو نقدها أو حتى مقاضاتها.

نقلاً عن "الحياة"