صباح الحرف (إحباط «أم القرى»)

 يقول نص الإعلان: «تعلن جامعة أم القرى عن رغبتها في شغل وظائف شاغرة في مجال البحث العلمي على نظام المكافأة الشهرية المقطوعة بمسمى باحث علمي (دكتوراه 9275 ريالاً)، وباحث علمي مساعد (ماجستير 8010 ريالات) من الكوادر الوطنية المؤهلة وذلك بوحدة العلوم والتقنية ومركز التميز في النقل وإدارة الحشود، ومركز الابتكار التقني لأنظمة المعلومات الجغرافية».

هذه قيمة الباحث العلمي في جامعة سعودية، رجل يمكنه أن يكون باحثاً علمياً، وحاصل على فلسفة التخصص في مجاله، تعرض عليه الجامعة راتباً زهيداً قياساً بما هو مطلوب منه، فعلى أي نوع من الباحثين ستحصل، وعلى أي مستوى من الأبحاث سيحصل المجتمع العلمي.

«جامعة طول بعرض» لها عقود من الزمن تعمل، ولديها ثلاثة مراكز علمية كما هو واضح أعلاه، وتريد من الباحث أن يعمل بنظام المكافأة المقطوعة، ربما لأن البحث العلمي في العالم العربي إجمالاً «مقطوع من شجرة».

كان الإعلان الذي نشر مطلع هذا الشهر محبطاً بما تعنيه العبارة، وربما هو يدلنا إلى أولى عقبات تطور البحث في بلادنا، ليست العقبة المالية بالتأكيد، لكنها عقبة الذهنية البيروقراطية التي تتعامل مع الأمر كتصنيف وظيفي، فستجد في الجامعة نفسها موظفين كثر، احترم قيمتهم الإنسانية بالطبع، لكنهم يؤدون أعمالاً إدارية روتينية ولهم رواتب أعلى بكثير من الباحثين، ولهم تقاعد، ونظام يحميهم، فهم على نظام الأجر الشهري المتصل والمتواصل إذا رغبنا في عكس مفهوم المكافأة الشهرية.

الباحث الحقيقي ذو العقلية العلمية والأداء المعملي له منطق واضح وصريح، فشغله في الحياة أن يحول المشكلات بالمنطق العلمي، وأن يحيط بجوانب أية مشكلة يعمل عليها، وهنا سيفشل البحث في جامعة أم القرى، وأية جامعة أخرى تتعامل مع البحث العلمي بالمنظور نفسه، لأن الباحث الذي سيحصلون عليه يفتقد للمنطق، إذ يخسره بمجرد قبوله بهذه الوظيفة وبهذه الشروط المضحكة، فكيف يمكنه أن يقدم شيئاً للساحة العلمية.

ارتبطت الأبحاث في معظم الجامعات بقصص غريبة نسمع أنها للترقيات فقط، وأن بعضها في الجانب النظري يتكئ على «كرف» الطلاب وأخذ ثمرات عملهم، ويبدو من المنجز على أرض الواقع أن هناك تغييباً واضحاً للبحث العلمي، لا يتم صراحة، وإنما يتم بجعله وظيفة مقطوعة الأجر، براتب يثير الضحك حقاً، وباشتراط التفرغ.

بعض العقول التي يمكن أن نسميهم باحثين، يمكنهم أخذ هذا المبلغ في ساعة واحدة وعبر استشارة واحدة، ويبدو أن الإعلان أعلاه ليس غرضه البحث العلمي، لكن غرضه شغل هذه الوظائف حتى لا تسحب موازنتها، وسيشغلها أناس بهذه المسميات، لكنهم مع كل احترامي لهم، لن يكونوا الباحثين الذين يضيفون شيئاً للعلم والتقنية في بلادنا.

سيكون سؤالاً ساذجاً لو قلت: هل للباحثين دور في ضعف البحث العلمي؟ لكن هذا الإعلان يجعله سؤالاً في منتهى الواقعية.

نقلاً عن "الحياة"