دائرة الفراغ الفاشلة

عاد وزير الخارجية الامريكي السيد جون كيري مجدداً للمنطقة يحمل مشروع اتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن الأرض المحتلة بدأ يسوق لاحتمالات وتوقعات بعيدة جداً عن التطبيق الفعلي على أرض الواقع، تلك الاحتمالات تعارضها إسرائيل بشدة، وتقبلها بتحفظ السلطة الفلسطينية، فخطة الوزير كيري تبدأ من حدود 67 وترى أنها الحدود السياسية للدولة الفلسطينية مع التحفظ على بعض المستوطنات، وإمكانية تبادل الأراضي مع دولة الاحتلال، إسرائيل ترفض تماما هذا الاعتراف وتصر على الحدود الأمنية لدولة إسرائيل..

خطة كيري تنادي بإخلاء الضفة الغربية من التواجد العسكري الإسرائيلي ويكون ذلك بالتدريج وفي مدة لا تتجاوز 5 سنوات، وهذا الاقتراح توافق عليه السلطة الفلسطينية وتعارضه إسرائيل التي ترى بان تكون المدة الزمنية للانسحاب 15 عاماً مع الإبقاء على بعض النقاط العسكرية داخل الضفة لتضمن لها التدخل الأمني لمواجهة أي ظرف طارئ..

تتضمن أيضاً الخطة مقترحات عن حق العودة ومنها ان الفلسطينيين الذين ولدوا في المناطق المحتلة (إسرائيل) قبل عام 1948 هم فقط الذين لهم الحق في العودة إلى داخل إسرائيل، وعلى فترات زمنية تمتد إلى خمس سنوات، وهؤلاء يشكلون عدداً قليلاً جداً من اللاجئين وبعد خمس سنوات لم يتبق منهم إلا أقل من القليل.. أما اللاجئون الذين لم يولدوا قبل 48 في الأراضي المحتلة سيتوزعون في الضفة الغربية وبعض المناطق الخاضعة للحكومة الفلسطينية، مع إتاحة الفرصة لمن يرغب الهجرة إلى نيوزلندا أو كندا أو استراليا، إسرائيل تعارض عودة اللاجئين للأراضي المحتلة والضفة الغربية حيث ترى بأن هذا سيجعل من الضفة منطقة مكتظة بالسكان وسوف يؤثر على التركيبة السكانية فيها ويعرض المستوطنات إلى الخطر.

أما القدس فتقر الخطة للسلطة الفلسطينية السيادة الإدارية على القدس الشرقية وتعطي السيادة الأمنية لإسرائيل، وكذلك تعترف بان القدس الشرقية هي العاصمة للدولة الفلسطينية، وهذا ما تعارضة إسرائيل تماماً، الخطة تتضمن الاعتراف بيهودية إسرائيل، وهذا الشيء الوحيد في الخطة الذي توافق عليه إسرائيل، وتعارضه السلطة الفلسطينية، وهناك أيضا السيادة على غور الأردن فالوزير كيري يرى أن تكون السيادة فيه مشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين والأردن، وإخلاؤه من التواجد العسكري الإسرائيلي في وقت لا يتجاوز الخمس سنوات وهذا الشرط تعارضه إسرائيل، على الرغم بان الخطة تشترط بأن الدولة الفلسطينية دولة منزوعة السلاح ولا تمانع السلطة الفلسطينية على ذلك، ولكن تل أبيب ترى أنه ليس كافياً لضمان أمنها..

كل ما سبق يضمن فشل مساعي وزير الخارجية الأمريكي في تثبيت عملية السلام على مسارها الفعلي، ولتجاوز صفة الفشل طالب السيد كيري مد فترة المفاوضات لعدة أشهر قادمة لكي يتمكن من إقناع الطرفين بجدوى المفاوضات.

إسرائيل ربما تكون هي الوحيدة المستفيدة من تمديد فترة المفاوضات، خاصة عندما تواجه انتقادات من بعض الدول الأجنبية بأنها سبب فشل عملية السلام، ففي هذه الفترة ممكن أن تسقط حكومة نيتنياهو لتجنب الانتقادات ويتم الدعوة لانتخابات مبكرة مضمون نجاح نيتنياهو فيها في ظل عدم وجود منافس قوي له في الوقت الحالي، أو بهذه الفترة تتعمد حكومة نيتنياهو تحريك التوتر من حركة حماس وتجمد المفاوضات بسبب الوضع الأمني الذي لا يساعد على إتمامها.

إسرائيل تعيش في هذه المرحلة هدوءاً أمنياً غير مسبوق بسبب الوضع الأمني المتردي في العالم العربي نتيجة ثورات الربيع العربي، ولا تريد أن تقدم تنازلات في ظروف أمنية الكل يسعى فيها لتقديم تنازلات لها بدون أن تخسر هي شيئاً. 

نقلاً عن "الحياة"