في حوار مع الشيخ المنيع

أكد فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع (عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية والقاضي بمحكمة التمييز بمكة المكرمة) أن الأمر بالمعروف مسؤولية كل مسلم بقدر استطاعته، وقال: إن ما وصل اليه المسلمون من وضع لا يتناسب مع عزة الإسلام ورفعته هو بسبب التقصير ونتيجة ضعف الإيمان، مؤكدا أن الطريق الصحيح لتصحيح أي انحراف والتواء في مسيرة الأمة الأسلامية هو الرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله، مشيرا إلى أن التحزب بين فرق المسلمين إنما هو نتيجة لخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي ذكر أن كل هذه الفرق مهما ادعت ومهما سار لها من الاعتداد بطريقتها هي فرق ضالة، وأنها في النار إلا واحدة . وقال الشيخ المنيع في هذا الصدد إن الاعتقاد بأن أهل السنة يتحزبون على الحق قول باطل، لأن أهل السنة والجماعة يسلكون طريقة سلفية صحيحة هي في الواقع مقتضى ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتضى ما عليه أصحابه، كما نفى الشيخ المنيع في حديثه الخاص، ما يردده البعض من أن الجهاد انتهى، حيث أكد أن الجهاد باق حتى يوم القيامة، مؤكدا ضرورة استشعار كل مسلم لذلك، ومنبها إلى أن الجهاد ليس محصورا في القوة العسكرية، وإنما يكون عن طريق الدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . هذا وقد أجاب الشيخ عبد الله بن منيع في حواره الخاص عن عدة أمور مهمة تمس أفراد المجتمع الاسلامي وقضاياهم الاساسية. وفيما يلى نص الحوار: يتحدث الكثيرون عن عدم قيام الامة الأسلامية بدورها الريادي كما ينبغي، ويختلف هؤلاء فيمن يتحمل مسؤولية ذلك، وربما عزى البعض ذلك إلى العلماء تارة، وإلى الحكومات تارة أخرى، ماذا ترون في هذه القضية ؟ لاشك أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة إلى الله على بصيرة وبالحكمة وبالتي هي أحسن، مسؤولية كل مسلم بقدر استطاعته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي كل مسلم بقوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فلبسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ولا شك أن ما وصل إليه المسلمون يدعوهم لينهضوا بأنفسهم، ويدعوهم أن يستشعروا عزة الإسلام ورفعته، إذ أن ما وصلوا إليه من وضع لا يتناسب مع عزة الإسلام ورفعته، وهذا ولا شك نتيجة التقصير، ونتيجة ضعف الإيمان، ونتيجة البعد عن المصادر الأصيلة لهذا الدين وفي طليعتها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا التقصير واقع من العلماء ومن القادة قادة العالم الإسلامي - والكمال لله سبحانه وتعالى، ولا شك أن لتضافر القوة الشرعية والقوة الادارية أثرا كبيرا في حصول نتائج لها اعتبارها وثمارها الجيدة، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق ولاة المسلمين من العلماء والحكام إلى ما فيه الأخذ بأسباب العزة والرفعة، فإن العزة له ولرسوله وللمؤمنين. الخروج من الواقع الذي تعيشه الأمة في ظل هذا الواقع المتخلف الذي تعيشه الأمة .. كيف يمكن الخروج من هذا الواقع؟ هل ترون أن تغيير الحال الذي تعيشه الأمة من الممكن أن يأتي بالحماس والاندفاع الذي تبناه البعض وصار يأتي بنتائج عسكية؟ الواقع أن الحماس والغيرة الدينية إذا كانت صادرة ممن بضاعته مزجاة فإنها لاشك ستأتي بنتائج عسكية وسلبية، وهذا ما نشاهده الآن من بعض أخواننا المتسرعين ذوي الحماس الخالي من البصيرة، ولهذا نجد العالم الكافر قد أجمع على وصف الإسلام على أنه دين إرهاب،ودين خشونة ودين عنف، فهؤلاء أساءوا إلى الإسلام من حيث أنهم كانوا يظنون أنهم يدعون إلى الاسلام، و الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك). و يقول: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). فينبغى أن تكون الدعوة بحكمة، وينبغى ألا يتولى الداعي الدعوة ألا بعد أن يكون محصنا تحصينا كاملا يجعل عمله منتجا غير مؤثر على المسيرة الإسلامية. الواجب على الدعاة عدم التعجل وهكذا ينبغي لإخواننا الدعاة الذين تعجلوا الأمر أن يعيدوا النظر في نتائج ما توصلوا إليه، وإن يرجعوا إلى سنة رسول الله وسنة أصحاب رسول الله وسنة التابعين، فالرسول صلى الله عليه وسلم جلس في مكة ثلاثة عشر عاما وكان في حالة من الضعف فلم يلوح بيده إلى حالة من التخريبب أو الارهاب، وانما كان يدعو بالحكمة والموعظة والبصيرة، ولما أتاه ملك الجبال يستأذن منه أن يطبق أخشبي مكة على أهلها اعتذر صلى الله عليه وسلم عن قبول هذا الطلب وقال (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا)، فكان صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله عز وجل في كتابه (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). فينبغى أن يكون الداعي له أبعاد دعوية تجعل لدعوته أثرا من حيث إبعادالنتائج العكسية التي توصل اليها، وصارت مقبض أعداء الإسلام من الغربيين وغيرهم بوصف الإسلام بدين الإرهاب ودين العنف ودين الخشونة إلى آخره، بينما هذا الدين جاء ليسعد الانسانية، يسعدها في اتجاهها وفي تعلقها برب العالمين، يسعدها في إدراك حكم الوجود في هذ الدنيا، وهي قوله تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ويسعدها في اتجاهها في معاشها في هذه الحياة، (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا). الإسلام دين سماحة ودين يسر، ودين عمل، ودين نصح، ودين إخلاص ومحبة،ودين شفقة، وتعاون وتعاطف. الله سبحانه كتب الإحسان في كل شيء الإسلام ينظر حتى إلى البهيمة ويطلب من المسلم أن يحسن إلى هذه البهيمة (إذا ذبح أحدكم ذبيحة فليسن شفرته) وذلك طلبا لراحة الذبيحة، الإسلام ينظر إلى الموجودات التي أوجدها الله سبحانه وتعالى للإنسان نظرة تقدير واحترام، فليس من شأن الإسلام الرعب ولا الإرهاب والعنف، وإنما هو دين يسر وسماحة، ودين فيه الخير كله، لذلك ينبغى على إخواننا أن يراجعوا أنفسهم، وأن يرجعوا إلىمصادر هذا الدين، وأن يرجعوا إلى تاريخ الأمة الإسلامية ليستلهموا منها المساعدة السليمة والصحيحة في سبيل الدعوة إلى الله. إحياء روح الانتماء إلى الإسلام ما السبيل الامثل في نظركم لإحياء روح الانتماء للإسلام في عصر تكاد تذوب فيه الشخصية المسلمة تحت أقدام المدنية المادية؟ السبيل إلى ذلك هو ما أرشد إليه نبي هذه الأمة ورسولها وحبيبها محمد صلى الله عليه وسلم قال: ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة) ولما سأله الصحابي: من هي يا رسول الله قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) فالطريق الصحيح لتصحيح أي انحراف وأي التواء في مسيرة الامة الاسلامية هو الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنة رسوله) ويقول صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ،وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وفي رواية (وكل ضلالة في النار) فلا شك أن الطريق الصحيح للاستقامة والحصول على العزة والرفعة للإسلام والمسلمين والبعد عن الفرق هو التمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه بالقول والعمل، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ثم ذكر أن كل قرن يأتي هو أشد شرا من القرن الذي قبله والله المستعان . أسباب تفرق الأمة ذكرتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم في تفرق أمته إلى فرق شتى، ما هو في نظركم الباعث الحقيقي لهذا التحزب في الأمة ؟ لا شك أن مثل هذا التحزب وهذا التفرق وهذه الطوائف المختلفة هي نتيجة لخبر الصادق المصدوق إذ قال (ستفترق الامة على ثلاث وسبعين فرقة) وذكر عليه الصلاة و السلام أن كل هذه الفرق مهما ادعت ومهما سار لها من الاعتداد بطريقتها لاشك أنها فرق ضالة، لقوله صلى الله عليه وسلم عن هذه الفرق كلها ( إنها في النار الا واحدة )، الإسلام لا يتحمل التفرقة في أصوله فأصوله ثابتة وقواعده غير متغيرة و قواعده أصيلة ومبادئه مبادئ لها اعتبارها وثباتها ورسالتها، فما الداعي إلى هذا التفرق ؟ لاشك ان التفرق يعني تفارق الاهواء، وقد يكون لهذه الاهواء من الأغراض الشخصية والدنيونية ما جعل النية مدخولة وليست خالصة لوجه الله، لاشك أن نتيجتها ستكون وبالا على أهلها سواء شعروا أو لم يشعروا، وهذا ما نشاهده في أن كل فرقة من الفرق المنتمية إلى الاسلام هى في الواقع لا تتمسك بقواعد الاسلام ولا بأصوله،بل هي في الواقع مآلها إلى الضلال، ومآلها إلى الفشل والاضمحلال كما حصل لمجموعة كبيرة من فرق الضلال، وحينما نستعرض التاريخ نجد أن هناك فرقا ضالة وجدت وكان لها صولة، ولكنها صولة باطل ما لبثت أن زالت وماتت وبقى الأمر كما قال الله سبحانه وتعالى (ويأبى الله أن الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) القول بالتحزب على الحق قول باطل ولكن ما رأيكم في القول المتداول من أن أهل السنة أنفسهم يتحزبون على الحق؟ - اعتقد أن هذا قول باطل، فاهل السنة و الجماعة يسلكون طريقة سلفية صحيحة هي في الواقع مقتضى ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقتضى ما عليه أصحابه الذين عاصروا وأخذوا توجيهات رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، وكذلك أخذوا طريقة ما عليه التابعون الذين عاصروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا ما هم عليه من الأقوال والأعمال والاتجاه، فهم في الواقع لا ينظرون إلى قول قائل مهما كان ذلك القائل إلا إذا كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل أحد من أصحابه أو اتجاه التابعين الذين ابتعوهم باحسان، إلا إذا كان ذلك القول أو ذلك المسلك له اعتباره وقيمته، وله ما يسنده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمهما كان متاخرا ذلك القول أو ذلك الاتجاه فهو اتجاه سليم طالما أن منبعه الأصيل كتاب الله وسنة رسوله. مفهوم الجهاد في هذا العصر ذهب الناس في في لفظ الجهاد الذي أعز الله به دينه في زماننا هذا إلى اتجاهين،قائل يقول إنه لا جهاد وآخر يقول إن الجهاد باق، ماذا ترون في هذه المسألة .. هل الجهاد باق وموجود في ظل الظروف التي نعيشها وإن كان فعلى أية هيئة يكون؟ القول إن الجهاد انتهى قول باطل، فالجهاد باق حتى يوم القيامة، ولا بد لكل مسلم أن يستشعر ذلك، وأن يتمنى أن يرفع الله لواء الاسلام ولواء الجهاد في سبيل الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية) ولا شك أن الجهاد باق إلى يوم القيامة، والجهاد ليس محصورا في القوة العسكرية، وإنما الجهاد يكون عن طريق الدعوة، وعن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن طريق الرد حول ما يثار ضد الإسلام من شبهات باطلة يراد بها إضلال المسلمين فالجهاد يكون بالسنان ويكون باللسان وبالقلم، والجهاد يكون أيضا مع المنحرفين من المسلمين من حيث توجيهم والأخذ بيدهم إلى ما فيه تصحيح ما هم فيه من انحراف واعوجاج. استغلال وسائل الإعلام للجهاد كيف يمكننا استغلال وسائل الإعلام الحديثة في الجهاد بالكلمة ؟ -الواقع أن وسائل الإعلام تطورت وأخذت إبعادا جيدة من حيث قوة التأثير، فإن تركت دون استغلال لصالح الدعوة الإسلامية فلا شك أن دعاة السوء سيستغلونها فيما فيه إفساد للأخلاق والعقائد، وهذا يعتبر من أخطر ما يمكن أن يداهم المسلمين ويؤثر على نفسياتهم وتربيتهم وأصول ما هم عليه من قواعد ومبادئ عامة، فأرى أنه ينبغي لأهل الحل والعقد من المسلمين سواء كانوا علماء أو قادة أو من هم في أوضاع إدارية قيادية هامة أو إعلامية، أن يغتنموا هذه الوسائل حسب ما يوجبه الإسلام عليهم من حيث الدعوة الى الله، ومن حيث التوجيه والتوعية والتبصير لما يجب أن يكون عليه المسلم من صلاح والتزام وتقيد بأوامر الله عز و جل ونواهيه، ومن الأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية والتقريرية، وينبغى للمسلمين عامة أن يغتنموا هذه الوسائل سواء كانت وسيلة إعلامية تتعلق بالمشاهدة، أو وسيلة تتعلق بالاستماع أو غيرهما، فينبغى ألا نترك أية وسيلة من وسائل التوجيه لا سيما وقد جاءت مثل هذه الوسائل مهيئة لكل إنسان وهو في بيته سواء كان في أقصى الدنيا أو أدناها، فينبغي أن تغتنم نتائج هذه الوسائل لتصل الى إخواننا المسلمين من حيث تبصيرهم بأحكام دينهم وصلواتهم وزكواتهم ومعايشهم داخل أسرهم، وما يجب على كل واحد منهم من حق الرعاية الأسرية لأولاده. الطريق الأمثل لإعادة الوئام بين المسلمين وما السبيل الأمثل لإعادة الوئام بين المسلمين شعوبا وحكومات في ظل هذه المعطيات التي تحدثتم عنها؟ -كما قلت سابقا هذه الامة لن تصلح إلا بما صلح به أولها، ثم بالنظر إلى السيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، وما كانوا عليه من احتساب للجهاد في سبيل الله، فقائدهم لا يهمه أن يكون قائدا، أو يكون متبوعا، أو يكون تابعا، وإنما يهمه أن يبذل جهده في سبيل الدفاع عن هذا الدين لتكون كلمة الله هي العليا. السياسة الشرعية الطاعة لولي الأمر إنما تكون في المعروف كما يوضح لنا العلماء ولكن البعض يقول كيف نطيع ولي أمرنا وبعضهم يقيم أو يسكت على عدد من المحرمات التي ينكر ها الإسلام ؟ الواقع أن طاعة ولي الأمر متعينة وواجبة ولو كان عنده من الانحراف ما عنده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بطاعة أمرائنا ما لم نر منهم كفر بواحا، ولكن هذا لا يعني أننا نطيعهم ونتركهم دون نصيحتهم عما يقعون فيه من انحراف، فيجب علينا أن نسمع وأن نطيعهم في غير معصية، أما لو أمرونا بمعصية فهنا لا يجوز بحال من الأحوال أن نسمع لهم أو نطيعهم في المعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكننا حين نجدهم قائمين بأمور العباد والبلاد، ومهتمين بمرافقها العامة، فيجب علينا أن نتعاون معهم ونناصحهم ونسمع لهم ونطيعهم، ويجب علينا كذلك أن تكون منا نصيحتهم فيما هم عليه من انحراف . حقيقة السياسية الشرعية هل يعتبر قيام ولي الامر بهذه الواجبات التي ذكرتموها وافيا بالقيام بالسياسة الشرعية التي وضحها علماء السلف ؟ - السياسية الشرعية هي في الواقع الأخذ بما فيه صلاح المسلمين والعناية بمصالح الرعية من حيث تفقد أحوالهم، والنظر فيما يسعدهم ويعطيهم الاستقرار المعيشي في بلادهم، ويضمن لهم الصحة في أجسامهم، ويضمن لهم البعد عن الجهل وكل ما يعتبر حقا من حقوقهم، هذه هي السياسة الشرعية، والحاكم يجب أن يأخذ بالسياسة الشرعية من حيث العناية بمرافق المسلمين، والعناية بترميمها وتوسيعها، وعلى الأخذ بأفضل ما تعطي من نتائج، وفي الأمر نفسه ينبغي له كذلك أن يعنى بإبعاد رعيته عما يكون سببا من أسباب انحرافها وضلالها وحرمانها من أسباب السعادة، فكل أمر فيه خير يعتبر سياسة شرعية، ويعتبر الأمر به سياسة شرعية، وكل أمر فيه شر يعتبر النهي عنه سياسة شرعية وإبعاد الناس عنه سياسة شرعية، فالسياسة الشرعية هي ما كان جالبا للمصالح ودافعا للمضار. المسلون والغرب مارأيكم في حدود علاقة المسلمين بغيرهم من الشعوب غير المسلمة، وما ضوابط تلك العلاقة ؟ غير المسلمين لا يخلو الحال من أين يكونوا إما فئات حربية كاليهود في فلسطين، وكالروس في الشيشان، والصرب في البوسنة، والبوذيين في كشمير، فهؤلاء لا يجوز إلا أن يعاملوا معاملة عداء حتى يكون منهم رضوخ لحقوق المسلمين، أما من كان غير ذلك فلم يصدر منه عداء ظاهر للمسلمين، فهؤلاء نعاملهم معاملة كفار، وليست معاملة كفار حربيين، فيجب التفريق في الامر، ولكن لو وجد من الكفار مساعدة للكفار المعادين للمسلمين فإنهم في هذه الحالة يعتبرون في صف واحد . الخلط بين العالم والداعية والفقيه يختلف طلبة العلم فيمن يمكن أن يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخلطوا بين العالم والداعية والفقيه .. فما رأيكم في هذه المصطلحات، ومن الذي يمكنه فعلا القيام بواجب تبصير الناس بدينهم ؟ هذا التقسيم بأن يكون هناك داعية وفقيه وعالم ما أنزل الله به من سلطان، فكل عالم ينبغي أن يكون داعية إلى الله سبحانه وتعالى، وينبغي أن تكون دعوته مبنية على الفقه وعلى البصيرة وعلى النظر المتمحص لأسباب قبول دعوته . فالحاصل أن العالم لا يكون عالما إلا إذا كان فقيها، ولا يكون عالما معتبرا إلا اذا كان مستشعرا الدعوة إلى الله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). فلاشك أن في طليعة تابعي رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء، ولا شك أن رسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم خاصة، وقدوة عموم المسلمين عامة، وقد أمر الله رسوله وهو الأمة في العلم والفقه بالدعوة لكن على بصيرة، فكذلك العالم ينبغي أن يكون فقيها ولا ينبغي أن يكون عالما معتبرا إلا اذا استشعر أمر الله وأمر رسوله في وجوب الدعوة إلى الله والإسهام فيها، ولكن على بصيرة وبحكمة وبموعظة وبلين وبمسلك من شأنه أن يعطي الدعوة التي من شأنها الاستجابة والقبول . مصطلح السلفية هناك أيضا إضافة إلى ذلك مصطلحات متداولة في عصرنا هذا مثل (السلفية) و(المحمدية) وغيرهما، فما تعليقكم على مثل هذه المصطلحات أيضا ؟ أعتقد أن هذه التفرقة أيضا ما انزل الله بها من سلطان، وأعتقد أنها تفرقة جاءت ممن يكيد للإسلام والمسلمين، فالفرقة الإسلامية الناجية من الفرق الضالة هي الفرقة التي على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقول أو وصف الأمة المستقيمة والمتلزمة بالسلفية هو وصف لا يعني إيجاد فرقة يقال لها السلفيون، وإنما السلفية القصد منها المنتهجة سلف هذه الامة الصالح، وكل واحد لا يلتزم مسلك سلف هذه الامة فهو في الواقع ملتزم مسلكا سيئا ومنحرفا لإننا في الواقع مخاطبون وملزمون ومتعبدون بالتقيد بما عليه كتاب الله وسنة رسوله، ولا شك أن ما عليه السلف هو في الواقع التقيد بهذين الأمرين كتاب الله وسنة رسوله والاستنارة بآثار تطبيقها من أصحاب رسول الله عليه وسلم ومن التابعين، وكيف أن أثر تطبيقهما صار سببا من أسباب وجود دولة إسلامية عظمى من المحيط إلى الصين، دولة ليس لها حاكم بعد الله غير الحاكم الشرعي، وكلهم سامعون وطائعون، وهي دولة ترهبها كل دول العالم وما هذا إلا تحقيق لقول الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) وتحقيق لقول الله تعالى (فإن العزة لله جميعا). مقارنة بين القضاة المعاصرين والسابقين بحكم عملكم في القضاء كيف تقارنون بين القاضي في هذا العصر والقاضي في العصور السابقة، سواء في شخصه أو فيما يواجهه من مشاكل؟ الواقع أن القاضي هو القاضي سواء كان في العصر الأول من عصور الإسلام أو كان في عصرنا الأخير، ولا نستطيع أن نفرق بين القاضيين لأنه موكول إليه أن يفرق بين القضايا الموكولة إليه من حيث الحقوق المتنازع عليها، فيبين إن هذا الحق لهذا الخصم، وأن هذا الآخر قد اغتصب هذا الحق وقد تعدى إليه، أو هكذا، فالحاصل أن مهمة القاضي أن يبين الحق، والقاضي وإن قلنا إن قاضي الزمن السابق هو قاضي الوقت الحاضر، إلا أننا نقول إن القضاة مختلفون، والأمر في اختلافهم من حيث اتجاههم في قضائهم مؤيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (القضاء ثلاثة .. قاضيان في النار وقاض في الجنة).فالقاضي الذي يحكم بالجهل هذا أحد قضاة النار، والقاضي الذي يحكم بهواه مع وجود علم لديه مخالف لما حكم عليه، فهذا والعياذ بالله أيضا من قضاة النار، أما القاضي المؤهل للقضاء ويحكم بما رآه الله فهذا القاضي في الجنة، فالقضاة مختلفون من حيث الاتجاه ومن حيث التقوى ومن حيث النزاهة والعدل، ومن حيث التأهيل العلمي للقضاء، فهذا هو وجه الاختلاف. أهم مشاكل الفرد المسلم من خلال تجربتكم القضائية ما أهم المشاكل التي يعاني منها الفرد المسلم؟ الواقع أن المشاكل الناتج عنها الخصومات كثيرة جدا، فمنها المشاكل الزوجية، ومنها المشاكل المبنية على دعاوى الاعتداء على الاموال وعلى النفوس وعلى الأعراض، ففيما يتعلق بالمشاكل الزوجية لا شك أن من أسباب العصمة ان يكون الزوج خيرا لأهله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله)، وأن يكون ذا حكمة في معالجته لما قد ينشأ من مشاكل بينه وبين زوجته، فبعض الأزواج يكون لديه من حدة العاطفة ما يجعله يلجأ إلى الطلاق عند أدنى إثارة وهذا يعتبر خطأ، ويعتبر في الواقع سالبا لأهليته في أن يكون قواما على النساء، الرجال قوامون على النساء، فكيف تكون قواما عليها وأنت تشعر بهذا الشعور، وتتأثر من أدنى شيء، فالله سبحانه وتعالى منحك أهلية بأن تكون قواما على المرأة، وبأن تكون درجتك أرفع منها، وأن تكون العصمة الزوجية بيدك، فإذا كان كذلك فلا بد أن تستشعر هذه الخصائص التي أعطاك الله إياها، فمن كان دون ذلك. فالحاصل أن المنازعات الزوجية كانت في الواقع مبناها على افتقاد هذه العناصر في الرجل، كذلك ما يتعلق بالمنازعات في الحقوق المالية، فهذا معناه البعد عن المسامحة وعن المكارمة، فتجد الشخص ذا شح وبخل على من يقوم بمخاصمته،فقد يكون النزاع بين المتخاصمين في امتار من أرض، هذا يملك مثلا عشرات الأمتار من الأرض وذاك يملك مثلها ويكون بينهما نزاع في مترين من الحدود ولا يكون بينهما من المصالحات ما يكون، وهذا سبب من أسباب المخاصمة والعداء ومن أسباب الاختلاف والتنازع والتناحر و التدابر، والعياذ بالله، ولكنه شيء تافه، فالحاصل أن أسباب هذه المشاكل هو البعد الروحي عن الإسلام، فمن كان مستنيرا بكتاب الله وسنة رسوله وبالمنهج الاسلامي الصحيح لاشك أنه سيكون بعيدا عن المشاكل وعن التنازع .