أطفالنا والتربية الجنسية!!

وما بعد يوم يتضاءل حجم المسكوت عنه في عالمنا: عالم الفضائيات والإنترنت، الجيل الذي ينشأ في مثل هذه الظروف تختلف حتما متطلبات تربيته عن الأجيال السابقة التي كانت تستقي خبراتها ومعارفها وقيمها من محيطها الأسري والاجتماعي والإقليمي، تغير هذا الوضع الآن وأصبح في مقدور أي قابع في أقصى أطراف المعمورة أن يؤثر في أبنائنا ويبث في أذهانهم مايرغب بلاحاجة إلى أن يستأذن منا. كنا قديما نقول: إن أبناءنا ليسوا بحاجة إلى ثقافة جنسية أو معلومات حول هذا الموضوع، فهم سيكبرون ويعرفون هذه الأمور الفطرية بأنفسهم، وكنا نعد الحديث حول الجنس قلة أدب، والآن أصبحنا مضطرين والمضطر يركب الصعب كما يقولون، فإن لم نحدثهم نحن حول هذا الموضوع الحساس بأسلوب تربوي فإن غيرنا سيتخذ من هذا الموضوع مدخلا لتدميرهم، تلك هي المعضلة، والمهمة العاجلة، التربية الجنسية التي يكاد يجمع المربون والخبراء على أهميتها وضرورتها لتحصين أبنائنا. وسط المسؤوليات والمهام التربوية المتعددة الملقاة على عاتق الأبوين تجاه أبنائهما، تأتي التربية الجنسية للأبناء باعتبارها الأدق والأصعب والأكثر حرجا، بل والأدعى للتهرب لدى كثير من الآباء والأمهات، رغم خطورة الأمر، وارتباطه بسلامة النشأة والنضج لحاضر ومستقبل أبنائهم. ويكمن باعث التهرب، أو كبح الأسئلة المتعلقة بهذا الجانب الحيوي إلى الخلط لدى الكثيرين بين مفهوم العيب وبين حقائق الحياة، وسنن الله سبحانه وتعالى في خلقه، وكيفية فهمها والتعامل معها، وتبسيط هذا الفهم للبراعم الناشئة حينما يبدأ وعيها ينفتح على الحياة وتتأمل صورتها، أو تكتشف نفسها مستعينة بخبرة الآباء المصدر المفترض لفكر الطفل ووعيه وفهمه لجوانب الحياة المختلفة بصفة عامة وهذا الجانب بصفة خاصة. ويجد كثير من الآباء والأمهات أنفسهم بين خيارين: إما الإجابة المنقوصة الهروبية، الداعية إلى كبت سؤال الصغير البريء، وإما التجاهل لهذا الأمر الذي يقود في النهاية إلى بحث السائل الصغير أو السائلة الصغيرة عن مصادر أخرى للإجابة وهنا مكمن الخطر، والعواقب غير المأمونة. والواقع أن التربية التي تلقاها الأبوان أو أحدهما في الصغر تحكم في الغالب تربيتهما لأبنائهما في هذا الجانب، وهي تتفاوت من شخص إلى آخر حسب حظه من التربية السوية، ومالم يتدارك صاحب النصيب القليل أو غير المنساب من الوعي بهذه الأمور حسب ماجاء به ديننا الحنيف، والخبرة التربوية لدى أهلها ممن هم على خلق ودين وعلم تصبح العاقبة غير محمودة. ويقر أهل العلم والدين بأن إسلامنا الحنيف قد بين للمسلمين ما يكفي أن يعرفوه من هذه الاحتياجات والرغبات، وكيف يتم الوعي بها وكيف تلبى. ومن ثم علينا في حدود الأدب واللياقة أن نتحاور في هذا الأمر حتى يألفه النشء ويتصارح فيه الصغار مع الكبار دون منعه منعا باتا، وحجب الحديث فيه من قبل البعض وكأنه من الأشياء النجسة، وذلك لأن هذه المسؤولية التربوية تتعلق بأمر فطري، يتطلب الحديث فيها مراعاة الأدب والحشمة بأسلوب مهذب ومناسب بما يضمن تهيئة البنات والأولاد لهذ الأمر المشروع والمرغوب عند الزواج بدلا من لجوئهم إلى مصادر المعرفة غير المأمونة، بل والمحرمة التي يسهل الوصول إليها. من بين الأسئلة التي نتذكر أننا ألقيناها على أبوينا ونحن صغار، ثم عدنا لنسمعها من أطفالنا بعد أن صرنا آباء وأمهات من أين أتيت؟ ولو تذكر كل منا الإجابة التي سمعها عن هذا السؤال، وقصها على الآخر لاستطعنا أن نرصد عددا لا يحصى من الإجابات يمكن تصنيفها حسب كل حالة من حيث اقترابها من السواء أو الصحة أو ابتعادها عن ذلك، ومن أطرف مايروى في هذا الجانب أن صبيا ظل معتقدا لفترة طويلة من عمره أنه ليس ابنا لأبويه، ذلك أنه عندما ألقى عليهما هذا السؤال وهو طفل صغير قالوا له: وجدناك على باب مسجد!! أمر آخر يتكرر في حالات مختلفة لشباب وشابات في الأيام الأولى لحياتهما الزوجية حيث يكتشفان أنهما لم ينالا نصيبا مقبولا من المعرفة الآمنة عن الأيام الأولى الأمر الذي يترتب عليه كثير من المشكلات. تحدي الحرج يشكو كثير من الآباء إلحاح صغارهم في أسئلتهم التي ما إن يغالب أحد الوالدين الحرج ويشرع في الإجابة على أولها حتى تنهال عليه بقية الأسئلة الواحد تلو الآخر الأمر الذي يجعل الحرج والاضطراب ينتاب الأهل.. ولكن ما العمل؟ وماالمخرج من تلك الحالة التي يعدها البعض ورطة؟ الجواب يكمن في تحدي الحرج وتجنب الكذب، وتبسيط الإجابة الواضحة على قدر سن الصغير السائل، والتجاوب مع أسئلته، ذلك لأن استعداد الآباء والأمهات للتعامل مع هذا الفضول واجب أساسي لابديل عنه، لأنه يحكم الحياة الجنسية المستقبلية للأبناء من حيث النجاح أو الفشل، وبدلا من النظرة الشائعة التي تؤثم هذه الأسئلة يجب اعتبارها فرصة ذهبية للخوض في الموضوع برضى وتجاوب. شروط وضوابط عودة إلى سؤال من أين أتيت؟ ومن أين يخرج الأطفال ياماما؟ هنا قد يسأل المربي بدوره الطفل السائل الذي غالبا ما يكون مابين الثالثة إلى السادسة من عمره.. ماذا تعتقد؟ حين يرد الطفل بإجابته يأخذ المربي بيده ردا على كل سؤال موضحا أن الله سبحانه وتعالى أنشأه في بطن أمه. وخرج من فتحة منها تحت السرة، ويستدرجه إلى التفكير والتحليل وتعد المعلومات التشريحية رافدا مهما للتربية الجنسية لدى الناشئة على أن تقدم بشكل مبسط يراعي حدود الاستيعاب الذهني لدى الناشئ، وتوضح بصورة مناسبة الفرق بين الجنسين. ولا ينبغي أن يقتصر أمر التربية الجنسية في هذه السن على المعلومات التشريحية فقط بل الاعتبارات والتوجيهات التي جاء بها ديننا الحنيف حول مراحل تطور الجنين في بطن أمه من نطفة وعلقة ومضغة عن طريق الكتب، وشرائط الفيديو مصحوبة بشروح الوالدين كأن يقول المربي للطفل الذي يسأل عن النطفة: إن الأب عنده البذرة التي تنبت في بطن الأم والله سبحانه وتعالى هو الذي يتكفل ويرعى بحكمته وعلمه هذا الجزء حتى يكبر وينمو ويولد طفلا. تقول الباحثة الاجتماعية منى يونس: إن التساؤلات حول الفارق بين الجنسين تبدأ لدى الأطفال من سن الثالثة ويجب إفهام الأبناء أن قضية وجود جنسين هي اختلاف نوعي يعطي لكل من الجنسين دوره المتميز المكمل لدور الآخر ولابد أن تدرك الابنة أنها لا تمتلك شيئا أقل من الولد، وأن الأعضاء المختلفة التي تمتلكها بداخل جسدها ليست مدعاة للخجل، وأن يكون الحديث بنبرة اعتزاز بهذا الفارق، لأنها إن شاء الله ستكون أما تحمل وتلد عند الزواج، وتصبح الجنة تحت أقدامها، وهذا ليس بمقدور الولد، كما يجب تربية الابنة منذ الصغر بدءا من سن 7 سنوات على إشعارها بأن جسدها نعمة خاصة بها غالية لا يجب التفريط فيها، فلا تسمح لأي أحد أن يختلس النظر إليه ولا أن يلمسه. وتشير الباحثة إلى ماتسميه بمرحلة الكمون عند الناشئة، والتي تبدأ من سن السادسة وحتى المراهقة بدءا من الثامنة عند البنت، والعاشرة عند الابن والتي تتطلب تسليح الأبناء بمعلومات كافية حولها حتى يدخلوها بحد أدنى من القلق يحميهم من صدمة التحولات المباغتة التي تطرأ عليهم جسديا نتيجة النضج، وهنا ينبغي التنبيه على بداية الحيض عند البنات، حيث ينبغي على الأم والمربية أن تؤكد على الناحية الإيجابية له، ويتحاشين التلفظ بعبارات تجعل هذا التطور الطبيعي في نمو الفتاة مرتبطا بالخجل أو الدنس.. وأن يركزن بدلا من ذلك على مساعدة البنت على الوقوف من أنوثتها موقف الاعتزاز والترحيب، وتعلم الأم ابنتها الجوانب الشرعية للحيض، وكيف تتعامل معه، من حيث النظافة الشخصية، وكيفية التطهر منه، والأحكام الشرعية المرتبطة بالأمر من صلاة وصيام ومس المصحف، وتتابعها عن قرب، وتجيبها عن كل الأسئلة دون حرج أو كذب. أما فيما يتعلق بالصبي فينبغي توعيته بكل التغيرات التي تصاحب نموه الجسدي في هذه المرحلة بنفس نبرات الترحاب والتقبل، ولابد من إعلامه بأن السائل المنوي الذي يقذف أثناء نومه دلالة رجولته ولكن يستتبع ذلك آداب شرعية خاصة بالطهارة والغسل وأن الميل إلى الجنس الآخر شيء وارد، ولكن الإسلام حدد لنا سبل التلاقي الحلال في إطار الزواج، وشرع لنا الصيام في حالة عدم القدرة على الزواج لتربية النفس على تحمل الصعاب والتي منها الرغبة في لقاء الجنس الآخر. يجب أن تتم هذه الإجابات والتوجيهات بأسلوب يراعي التفاهم والفهم. ويجب التنبيه هنا إلى تهيئة الأبناء المقبلين على الزواج وشرح وتقديم ماجاء به ديننا الحنيف في هذا الشأن وهو متوافر في كتب الفقه والحديث بصورة مفصلة، وللأم دورها الكبير في هذا الأمر بالنسبة للبنت، كذلك الأب بالنسبة للابن لضمان اكتمال النمو النفسي المتوازن. تساؤلات محرجة من من الآباء والأمهات لم يتعرض يوما لتساؤل من طفله أو طفلته احتار معه كيف تكون الأجابة؟ من منا لم يضطر يوما إلى اتباع أسلوب اللف والدوران ليهرب من مطب عفوي أوقعه فيه ابنه الصغير باستفسار بريء، ولم يجد من قاموس الكلمات والمعاني ماينقذه من هذه الورطة المفاجئة بإجابة مقنعة ترضي فضول طفله؟ كثيرا ما نتذكر تساؤلات أطفالنا وهم صغار، وكثيرا ما نجدهم قد كبروا واكتشفوا خداعنا وهروبنا من تساؤلاتهم عندما كانوا أطفالا؟ تربية الأطفال فن علينا أن نمتلك أدواته، ومهمتنا كآباء وأمهات تأمين الأرضية الخصبة لكي تتبلور عليها قدرات وإدراكات ومهارات أطفالنا وتقديم الدعم والخبرة الكافية لهم لمواجهة تحديات الحياة بطريقة ملائمة، إذا أدركنا أن الإجابات التي نقدمها لأطفالنا عبر أسئلتهم البريئة والحائرة تعد من أبرز المنابع التي يستقون منها خبرتهم ومعارفهم وجب علينا ألا ننسى حقيقة تربوية ونفسية في غاية الأهمية وهي احترامنا لحب المعرفة والاستكشافات الفطرية، فمنها يتعلم الطفل كيف ينمي قدراته الشخصية وكيف يطورها بما يسمح له بتصحيح نفسه، وبما يخلق لديه الدافع الداخلي للإنجاز والنجاح. فأطفالنا يتساءلون والمشكلة بالنسبة للآباء والأمهات كيف يجيبون عن تساؤلاتهم؟ ويلاحظ المرء بكل سهولة ويسر الاضطراب الذي ينتاب الأهل حينما يكتشفون- فجأة- أن عليهم الإجابة عن أسئلة الأولاد المحرجة حتى إن بعض الآباء يصف مواجهة هذه الأسئلة بالورطة، ويعتمد الكذب في محاولة التخلص من الحرج الذي تسببه له، ويرجع هذا الارتبارك إما لأن معظم الأهل تنقصهم الثقافة الجنسية إذ لم يتعرضوا لأي من نوع من أنواع التربية الجنسية، أو لأن الوالدين يشعران بأن عملية التوعية والخوض في الموضوع قد يتعرض في آخر المطاف إلى حياتهما الجنسية الخاصة الحميمة مما يثير لديهما تحفظـا. على الجانب الآخر، فالأبناء لديهم ميل طبيعي وفطري لاكتشاف الحياة بكل مافيها، فتأتي أسئلتهم تعبيرا طبيعيا عن يقظة عقولهم، وبالتالي ينبغي على المربي ألا تربكه كثرة الأسئلة أو مضمونها، وألا يزعجه إلحاح الصغار في معرفة المزيد، بل على المربين التجاوب مع هذه الحاجة. تقول عالمة الاجتماع الألمانية مارلين ليست: استعدادنا لتقبل الحديث عن الجنس مع أبنائنا أكثر فائدة من اتكالهم إلى الكتب فإن استعدادنا للتعامل مع هذا الفضول - نحن الآباء والأمهات- واجب أساسي وليس هامشيا، ولابديل عنه في هذا الأمر، لأنه يحدد موقف الابن أو الابنة من الجنس، وبالتالي يحكم على حياته الجنسية المستقبلية بالنجاح أو الفشل. لذا كان لابد من رفع الالتباس لدى الأكثرية من أولياء الأمور بين الإعلام الجنسي والتربية الجنسية فالإعلام الجنسي هو إكساب الفتى والبنت معلومات معينة عن موضوع الجنس، أما التربية الجنسية فهي أمر أشمل وأعم، إذ إنها تشمل الإطار القيمي والأخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسؤول عن تحديد موقف الولد والبنت من هذا الموضوع في المستقبل. لقد تناول عدد كبير من الباحثين والمهتمين بالشؤون التربوية والأسرية وعلماء النفس والاجتماع هذا الموضوع، وهناك الكثير من الدراسات التربوية التي أثرت ميدان علم نفس الطفل، وعلم النمو، بالكثير من المفاهيم والإرشادات والقواعد السليمة التي تكفل حل إشكالية كيفية الإجابة عن تساؤلات الأطفال وخاصة في سن الطفولة المتوسطة ومرحلة ما قبل المدرسة. ومن الدراسات التي صدرت حديثا في هذا الصدد دراسة الدكتور ماهر إسماعيل أستاذ التربية بعنوان طفلك يسأل وأنت تجيب وفيها يؤكد ضرورة استقبال تساؤلات الأطفال بسعة صدر، والإجابة عنها بأسلوب مبسط ومقنع يتناسب مع عمر الطفل. وفي هذه الدراسة يقدم الباحث مجموعة من القواعد والإرشادات التربوية التي تعين الآباء والأمهات في هذا الصدد، ويشير إلى أن هناك تساؤلات ترتبط بموضوعات قد تكون محرجة للآباء والأمهات كالتساؤلات حول الأمور والعلاقات الجنسية، وكيفية الحمل والولادة، وتساؤلات علمية ومعرفية تحتاج عند الإجابة عليها فهما وتعمقا كالأسئلة عن الكون والظواهر الكونية، والأرض والسماء والليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم والمطر والبرق والرعد وغيرها. ويشير الباحث أيضا إلى أهمية التمييز بين تساؤلات الأطفال الملحة، والتساؤلات العابرة، وأهمية الإجابة المقنعة عن الأسئلة نظرا لتكرارها حيث تمثل أهمية خاصة لدى الطفل، ولكونها بداية لإثارة تفكيره واهتماماته. كما يؤكد الباحث عدم إغفال التساؤلات التي تبدو ساذجة وعدم الاستهانة بها. لأنها قائمة على منطق عالم الطفل وهي تمثل حقا مشروعا من حقوقه الطبيعية، وتحقق الإشباع المعرفي لديه ويؤكد الدكتور ماهر إسماعيل أهمية عدم تقديم الإجابات المتناقضة بين الأب والأم، أو بين الأب والأم من جهة والمدرسة من جهة أخرى، فمن شأن هذا التناقض أن يخلق لديه عدم اتزان نفسي من جراء فقدان الثقة في من حوله، ويعطل تفاعله بمن حوله لاهتزاز ثقته بهم، وأن يقدم المربون إجاباتهم في صورة مبسطة، وواضحة، وخالية من الإبهام والغموض وبما يتناسب مع مرحلته العمرية. فضولية وتقول الدكتورة فوزية الشماغ استشارية الطب النفسي التأهيلي بجدة: إن الهاجس الأكبر عند الآباء والأمهات فيما يتعلق بتربية أولادهم يتلخص في كيفية الإجابة عن التساؤلات المحرجة أحيانا ولاسيما ما يتعلق منها بالأمور والعلاقات الجنسية. ماذا يقولون؟ وما لايجب أن يقولوه؟ ومتى يجب أن نتحدث إليهم، في مثل هذه الأمور؟ وكيف نرشدهم إلى التربية الجنسية الصحيحة دون الخوض في مواضيع محرجة لهم ولنا على السواء؟ وما هو الأسلوب الصحيح للتحدث عن هذه الأمور؟ وماهي الحدود التي لا يتوجب علينا تخطيها؟ وتجيب عن هذه التساؤلات قائلة: تظهر الفضولية الجنسية عند الأطفال عادة مابين العام الثاني والعام الخامس من العمر، ففي هذه الفترة يزداد شغفهم إلى معرفة كل شيء، وفي هذا العمر أيضا تبرز المخاوف من الفروقات الجنسية لدى الجنسين، فعندما يشاهد الطفل شقيقته عارية يتعجب من عدم وجود مالديه، ويسأل عن ذلك، وإذا لم يحصل على إجابة مقنعة قد يعتقد أن أذى ما قد أصابها. الأمر نفسه يحدث للبنت، وأحيانا تفسر مخاوف الأطفال تفسيرا خاطئا لدى الأباء والأمهات، فإذا لاحظ الطفل ذلك ذات مرة بينما هو يشاهد أخته تستحم مستغربا: ولم تفهم الأم مايعني وشاهدته يتفحص نفسه يتلمس عضوه الذكري، قد ينتاب الأم نوع من القلق وتعتقد أنه قد بدأ يتعلم عادة سيئة، وقد تعاقبه على ذلك دون إدراك السبب الحقيقي والنتائج السلبية على الجانب النفسي. وطفلة أخرى انتبهت لهذا الفارق بينها وبين أخيها، فأخذت تحاول نزع ملابس كل الأولاد في الحضانة لتكتشف حقيقة هذا الفرق مما أثار معلماتها وانزعجن من تصرفها ورحن يلمن الأم على سوء تربيتها لابنتها دون إدراك للأبعاد الحقيقية التي وجهت تصرفها هذا، وقد يعاقبنها بدلا من تقديم الإجابة الشافية التي شغلت تفكيرها بعد اكتشافها للفرق بين تكوين الذكور والإناث، واعتقدت أن أذى حل بها. و لذلك ينبغي التركيز على أهمية التوعية الجنسية بالنسبة للأطفال لتفادي كثير من السلوكيات المحرجة عندهم، وتجنبا لتفاقم مشاعر الخوف والقلق الناجمة عن عدم فهمهم لكثير من الأمور. كيف نتصرف ؟ من المهم أن يتفهم الآباء والأمهات السلوك الاستكشافي الجنسي عند الطفل وألا يمعنوا في استخدام تحذيراتهم إذا شاهدوا ابن العام الثالث مثلا يعبث بأعضائه فيضربونه لأن مثل هذا الأمر من شأنه تكريس المخاوف لديه، ويزيد شعوره بالقلق بنفس قدر فضوله لمعرفة الأمر، ولايجوز أن نلقنه محاضرة مطولة أشبه بالدروس المهمة.. وكل مايجب أن نقوم به أن نفهمه أن الرجال هكذا والنساء هكذا.. دون الدخول في تفصيلات عضوية غامضة لديه. وعلى الآباء أن يتجنبوا تماما محاولة إدخال مفاهيم مغلوطة عند تلمس الأعضاء على أنه عمل شرير أو سوف يتسبب في مرضه أو أنه سيصبح مجنونا أو ضريرا كما كان الأجداد يقولون، فمن الخطأ أن نزرع الخوف في أعماق الطفل لأن ذلك سيترك آثاره السلبية في المستقبل. أما في فترات المراهقة وبدايتها فإنه بالإمكان تناول الموضوعات الجنسية في جلسات حوارية عائلية أو يتولى الأب مسؤولية الأبن، والأم تتولى مسؤولية الابنة بتدرج وصراحة دون الإمعان في التفاصيل مع مراعاة العمر والنضج العقلي والجسدي، ومن ثم فتح آفاق الحوار والتواصل والفهم المتبادل بأسلوب واع يعتمد على الأسس العلمية والموضوعية والأخلاقية، فإن ترك باب التواصل مفتوحا بين الآباء والأمهات وأبنائهم وبناتهم يشجع الأبناء للتعبير عن مخاوفهم وعواطفهم ومشاكلهم ومشاعرهم مع أهلهم بتفاهم وحب وود واحترام، ويسهم في مساعدة المراهق على تخطي الأزمات العديدة التي قد يمر بها خلال هذه المرحلة الدقيقة من العمر. أنجح الأساليب تؤكد فتحية الشهري الاختصاصية الاجتماعية بجدة أن هناك أساليب مهمة يجب اتباعها عند الحديث مع الأبناء عن الجنس وتقول: للوصول بالأبناء إلى بر الأمان وتكوين ثقافة جنسية سوية لاينبغي التهرب من الأسئلة مهما كانت محرجة أو مربكة لأن ذلك يشعر الأبناء أن ميدان الجنس ميدان مخيف وآثم، فتتولد لديه مشاعر القلق والاضطراب والرفض، وهذامايسمى بـ الكبت وقد يتعدى الأمر بالتأثير على نظرة الفتى أو الفتاة إلى الجنس الآخر. وللكبت نتائج أخرى كثيرة منها تأجيج الفضول الجنسي ليتحول الصغير إلى مفتش عن الأمور الغامضة، يبحث عن إجاباته في كل حديث و في كل مجلة، وفي المراجع وعند الأقران والخدم، وإذا واجهه الفشل في الوصول إلى إجابات مقنعة يفقد الصغير ثقته في قدراته العقلية، وقد يؤدي ذلك إلى تعطيل رغبة المعرفة لديه فيلجأ إلى اللامبالاة المعرفية فيبدو الفتى أو الفتاة كالمتخلف عقليا: لأن هناك عوامل انفعالية كبلت قدراته العقلية، كما يفقد الصغير ثقته بوالديه اللذين يفشلان في مواجهة أسئلته العفوية، ويؤكد علماء النفس أن من توابع الكبت الاضطراب السلوكي، فالاهتمام الزائد والمفرط للأبناء بموضوع الجنس قد يؤدي إلى الشرود والكذب والسرقة، بالإضافة إلى القلق والعدوان، وفي بعض الأحيان إلى عدم الانضباط المدرسي. وهناك مرحلة من المراحل لابد أن يتم خلالها تعريف الفتى والفتاة معنى الحديث الذي جاء في سؤال الصحابة الكرام له : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر (رواه مسلم) فالجنس يعبر الزوجان من خلاله عن الحب والمودة والرحمة التي تجمع بينهما والشوق الذي يشد أحدهما إلى الآخر، ويمكن تقريب هذا الأمر من تصور الأولاد بالاستناد إلى خبرتهم الذاتية، بحيث يقال لهم مثلا: ألا يسركم أن تعبروا عن حبكم لأخواتكم بالمهاداة، والكلمة والابتسامة؟ ألا تعبر الأم عن حبها لأولادها باحتضانهم وتقبيلهم؟ كذلك الأزواج يملكون وسائل أخرى للتعبير عن مشاعرهم. ومن شروط الإجابة على هذه التساؤلات: مناسبة الإجابة لسن وحاجة الابن والابنة، والتجاوب مع أسئلته في حينها وعدم تأجيلها لما قد يسببه ذلك من فقدان الثقة بالمسؤول، وإضاعة فرصة ذهبية للخوض في الموضوع، حيث يكون الابن متحمسا ومتقبلا لما يقدم له بأكبر قسط من الاستيعاب والرضى. ولا داعي إطلاقا لإعلامة دونما سؤال منه أو رغبة في المعرفة لأنه عندئذ سيكون استعداده للاستيعاب والتجاوب أقل بكثير ولذا تكون الإجابة منطلقها هو تصور الطفل نفسه الذي علينا بدورنا توضيحه وتصحيحه وإكمال النقص فيه وبلورته. الانطلاق إذن يكون من تصورات الابن، ومعارفه البسيطة ثم نستدرجه إلى التفكير والتحليل على ضوء مايملكه من خبرة ومنطق، ثم تقديم مايحتاجه من معلومات بصورة مبسطة متناسبة لاستيعابه الذهني دون تطويل أو تعقيد في التعبير وتكون نبرة الحديث عادية، حتى يفهم الابن أن الجنس جزء من الحياة الطبيعية. ويجب أن تكون إجابات متكاملة: بمعنى عدم اقتصار التربية هنا على المعلومات العضوية والتشريحية؛ لأن فضول الابن يتعدى ذلك، بل لابد من إدراج أبعاد أخرى كالبعد الديني. وأن تكون هذه الثقافة مستمرة: فهناك خطأ يرتكب ألا وهو الاعتقاد بأن التربية الجنسية عبارة من معلومات تعطى مرة واحدة وينتهي الأمر، وذلك إنما يشير إلى رغبة الراشد في الانتهاء من واجبه المزعج بأسرع وقت، لكن يجب إعطاء المعلومات على دفعات بأشكال متعددة (مرة عن طريق كتاب- شريط فيديو- درس مسجدي.. إلخ) كي تترسخ في ذهنه تدريجيا ويتم استيعابها وإدراكها بما يواكب نمو عقله، وأن يتم ذلك في ظل مناخ حواري هادئ. فالمناخ الحواري من أهم شروط التربية الجنسية الصحيحة، فالتمرس على إقامة حوار هادئ مفعم بالمحبة، يتم تناول موضوع الجنس من خلاله، كفيل بمساعدة الأبناء للوصول إلى الفهم الصحيح لأبعاد الجنس. الكبار أيضا يعانون! غياب الثقافة الجنسية الصحيحة ليس حكرا على الأطفال والمراهقين فكم من كبار عانوا من ذلك فمازال الرأي الغالب في الثقافة الجنسية أنها تدخل في نطاق العيب وقلة الأدب، فالمراهقون والمراهقات يعانون أشد مايعانون من وطأة الأسئلة الجنسية، ونحن نسأل: كيف إذن يتم إعداد الأبناء لاستقبال هذه المرحلة الخطيرة من حياتهم بكل ماتحويه من متغيرات نفسية وجنسية وعضوية، وحتى مظهرية؟ فالأم تقول: إني أصاب بالحرج من أن أتحدث مع ابنتي في هذه الأمور، وطبعا يزداد الحرج إذا كان الابن ذكرا وهكذا يستمر الموضوع سرا تتناقله ألسنة المراهقين فيما بينهم، وهم يستشعرون أنهم بصدد فعل خاطئ يرتكبونه بعيدا عن أعين الرقابة الأسرية، وفي عالم الأسرار والغموض تنشأ الأفكار والممارسات الخاطئة وتنمو وتتشعب دون رقيب أو حسيب، ثم تأتي الطامة ويجد الشاب والفتاة أنفسهما فجأة عند الزواج وقد أصبحا في مواجهة حقيقية مع هذا الأمر، ويحتاجان إلى ممارسة واقعية وصحيحة، وهما في الحقيقة لم يتأهلا له، ويواجه كل من الزوجين الآخر بكل مخزونه من الأفكار والخجل والخوف، ولكن مع الأسف يظل الشيء المشترك بينهما هو الجهل وعدم المصارحة الحلال بالرغبات والاحتياجات التي تحقق الإحصان، ويضاف لهذا الخوف من الاستفسار عن المشكلة أو طلب المساعدة، وعدم طرق أبواب المكاشفة بما يجب أن يحدث.. وكيف يحدث.! تمتلئ مراكز الاستشارات النفسية والأسرية بالعديد من الحالات لمراهقين أوقعهم جهلهم في الخطأ وأحيانا الخطيئة، وأزواج يشكون من توتر العلاقة، أو العجز عن القيام بعلاقة كاملة، أو غير قادرين على إسعاد زوجاتهم، وزوجات لايملكن شجاعة البوح بمعاناتهن من عدم الإشباع لأن الأزواج لا يعرفون كيف يحققونها لهن، وغالبا لايبالون.. وهذا حصاد الصمت الذي قابلنا به هذا الأمر الفطري. حيث لا تقدم المناهج التعليمية- فضلا عن أجهزة الإعلام- أي مساهمة حقيقية في هذا الاتجاه رغم كل الغثاء والفساد على شاشاتها الذي لايقدم بالضرورة ثقافة بقدر مايقدم صورا خليعة. ويزداد الأمر سوءا حينما يظل أمر هذه المعاناة سرا بين الزوجين، فتتلاقى أعينهما حائرة متسائلة، ولكن الزوجة لا تجرؤ على السؤال، فلايصح من امرأة محترمة أن تسأل وإلا عكس هذا أن عندها رغبة في هذا الأمر، والزوج- أيضا- لا يجرؤ على طلب المساعدة من زوجته، أليس رجلا ويجب أن يعرف كل شيء. وهكذا ندخل الدوامة: الزوج يسأل أصدقاءه سرا، وتظهر الوصفات العجيبة والاقتراحات الغريبة والنصائح المشينة، وعادة ماتسكت الزوجة طاوية جناحيها على آلامها، حتى تتخلص من لوم وتجريح الزوج، وقد تستمر المشكلة شهورا طويلة، ولا أحد يجرؤ أن يتحدث مع المختص أو يستشير طبيبا نفسيا، بل قد يصل الأمر للطلاق من أجل مشكلة ربما لا يستغرق حلها نصف ساعة مع أهل الخبرة والمعرفة، ورغم هذه الصورة المأساوية فإنها أهون كثيرا من الاحتمال الثاني، وهو أن تبدو الأمور وكأنها تسير على مايرام، بينما تظل النار مشتعلة تحت السطح، فلا الرجل ولا المرأة يحصلان على مايريدان أن يتمنيان، وتسير الحياة وربما يأتي الأطفال معلنين لكل الناس أن الأمور مستتبة وهذا هو الدليل القاطع وإلا كيف جاء الأطفال!! وفجأة تشتعل النيران ويتهدم البيت الذي كان يبدو راسخا مستقرا، ونفاجأ بدعاوى الطلاق والانفصال إثر مشادة غاضبة أو موقف عاصف، يسوقه الطرفان لإقناع الناس بأسباب قوية للطلاق ولكنها غير السبب الذي يعلم الزوجان أنه السبب الحقيقي، ولكن كلا منهما يخفيه داخل نفسه، ولا يحدث به أحدا حتى نفسه، فإذا بادرته بالسؤال عن تفاصيل العلاقة الجنسية- وأثرها في حدوث الطلاق- نظر إليك مندهشا، مفتشا في نفسه وتصرفاته عن أي لفتة أو زلة، ثم يسرع بالإجابة بأن هذا الأمر لا يمثل أي مساحة في تفكيره! أما الاحتمال الثالث- ومع الأسف هو السائد- أن تستمر الحياة حزينة كئيبة، لا طعم لها مليئة بالتوترات والمشاحانات والملل والشكوى التي نبحث لها عن ألف سبب وسبب.. إلا هذا السبب. هل بالغنا؟ هل أعطينا الأمر أكثر مما يستحق ؟ هل تصورنا أن الناس لا هم لهم إلا الجنس وإشباع هذه الرغبة؟ أم أن هناك فعلا مشكلة عميقة تتوارى خلف أستار من الخجل والجهل، ولكنها تطل علينا كل حين بوجه قبيح من الكوارث الأسرية، وإذا أردنا العلاج والإصلاح فمن أين نبدأ؟ إننا بحاجة إلى رؤية علاجية خاصة بنا تتناسب مع ثقافتنا حتى لايقاومها المجتمع، وأن نبدأ في بناء تجربتنا الخاصة وسط حقول الأشواك، ونواجه هذه الثقافة الغربية التي ترفض أن تتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم وإرشاد الناس لمافيه سعادتهم في دائرة الحلال، وتعرض عن أدب الصحابة في طلب الحلول من أهل العلم دون تردد أو ورع مصطنع، هذه الثقافة التي تزعم الأدب والحياء والمحافظة وتخالف السنة والهدي النبوي فتوقع الناس في الحرج الحقيقي والعنت وتغرقهم في الحيرة والتعاسة، وهذا يحتاج إلى فتح باب للحوار على مختلف الأصعدة وبين كل المهتمين، نبراسنا السنة وسياجنا التقوى والجدية والعلم الرصين وهدفنا سعادة بيوتنا والصحة النفسية لأبنائنا.