البصمة الوراثية هل تعتبر دليلا شرعيا؟
البصمة الوراثية (DNA): هي المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي التي تجعلك مختلفا عن الآخرين، وهو ما يعرف بالحمض النووي. هذا ولم تعرف البصمة الوراثية إلا في عام 1984 حينما نشر د. أليك جيفريز عالم الوراثة بجامعة ليستر بلندن بحثا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات، وتعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة.. وواصل أبحاثه حتى توصل بعد عام واحد إلى أن هذه التتابعات مميزة لكل فرد، ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين، بل إن هذا يعتبر ضربا من المستحيل. وقد أصبح اكتشاف أليك هذا الذي سجل عام 1985، يعرف باسم البصمة الوراثية للإنسان وعرفت على أنها وسيلة من وسائل التعرف على النسب، وتسمى في بعض الأحيان الطبعة الوراثية استخدامات البصمة الوراثية في البداية استخدم اختبار البصمة الوراثية في مجال الطب، وخاصة في دراسة الأمراض الجينية وعمليات زرع الأنسجة، وغيرها، ولكنه سرعان ما دخل في عالم الطب الشرعي حيث أصبح بالإمكان من خلال هذه البصمة التعرف على جرائم القتل والاغتصاب وتتبع الأطفال المفقودين وتحديد أصول الأطفال المختلف فيهم إلى غير ذلك من الأمور التي يحتاج إليها للتأكد من شخص معين. ومع مرور الزمن ثبت يقينا صحة هذه المعلومات وقيمة هذه البصمة. ولكن السؤال الآن ما هو موقف الإسلام من هذا الاكتشاف؟ وهل تعتبر البصمة الوراثية دليل إثبات أم لا؟ وإذا كانت كذلك، فما هي ضوابطها وشروطها والحالات التي يمكن تأثيرها وعملها فيها؟ هذا ونظرا لأهمية الموضوع فقد تم عرضه على المجمع ا لفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في شوال من عام 1422هـ للنظر في هذا الموضوع وإبداء الرأي فيه بعد استعراض الأبحاث المقدمة في ذلك سواء الطبية أو الشرعية. وكان من المشاركين في المجمع الطبيب الدكتور نجم عبد الله عبد الواحد الذي بين في بحثه أن البصمة الوراثية تستطيع أن تحدد الأم والأب والأخت والأخ بصورة قاطعة تصل 99.9?، ويمكنها كذلك النفي بنسبة 100?، ففي حالة تنازع اثنين في ولد يمكن إثباته لأحدهما، وفي حالة ادعاء المرأتين للولد دون البنت يمكن تحديد الأم الأصلية بواسطة البصمة الوراثية، ولكن تبقى أهمية وجود الضمانات الواجب اتخاذها لعمل البصمة الوراثية حتى لا يكون هناك تلاعب في النتائج أو خطأ غير مقصود. من آراء علماء الإسلام الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية يرى أن البصمة الشخصية للإنسان تدور بين السبب والشرط والمانع، فتكون سببا إذا رتب الشارع الحكم على دليل حسي، كما في حالة ثبوت النسب بين المتنازعين في وطء الشبهة مثلا حيث اعتبر الإسلام الشبه سببا في ثبوته في هذه الحالة وأمثالها، وتكون البصمة الوراثية شرطا في كل ما وضع الشارع لقبوله شرط موافقة الحس والعقل كما في حالة ثبوت النسب بالفراش وكون الزوج لم يبلغ الحلم. ويرى فضيلته أنه لما للبصمة الوراثية من أهمية كبرى لكونها تمثل دليلا حسيا علميا قطعيا مبنيا على التحليل والمشاهدة، وأنها تساهم مساهمة كبيرة في إظهار الحقيقة فإنها بحكم الأصل مباحة شرعا لحصول النفع بها في إقرار الحقوق وإقامة العدل، ومع ذلك فإنه يشترط للعمل بها واعتبارها دليلا شرعيا عدة شروط منها: 1-شيوعها وانتشار العمل بها. 2-تحقيق أكبر معدل لليقينية في إجراء التحاليل الخاصة بها. 3-القبول العام بها من أهل الاختصاص فلا يقبل الأخذ بالكشف العلمي في مرحلة التجريب وإنما يشترط للعمل بها أن تعبر مرحلة الثبوت والتطبيق. 4-أن يكون القائمون على إجراء الفحوص والتحاليل الخاصة بالبصمة الوراثية عدول ثقة أمناء. أثر البصمة الوراثية في إثبات النسب ونفيه وحول إمكانية العمل بالبصمة الوراثية في إثبات نسب المجهول كالأطفال الذين يختلطون في المستشفيات عند الولادة ولا يمكن التفريق بينهم، قال فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي أستاذ الفقه الإسلامي بكلية الشريعة بسوريا وعضو المجمع الفقهي إنه يجوز العمل بالبصمة الوراثية لإثبات نسب المجهول بالضوابط الشرعية المقررة لقرينة القيافة، ومنها الاكتفاء برأي خبير واحد كالقائف الواحد المسلم العدل، والذكر في رأي الحنابلة، والعمل بها مقصور على حالة التنازع في الإثبات، وعدم الدليل الأقوى، أو عند تعارض الأدلة. ونظرا لخطورة البصمة الوراثية على الحياة الأسرية واستقرارها وخطورة استخدامها للتأكد في صحة نسب الأطفال لآبائهم فقد بين الدكتور عمر بن محمد السبيل عميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى وإمام وخطيب المسجد الحرام أن الأصل صحة النسب الأطفال لآبائهم وأمهاتهم، وأن الطريق الشرعي لنفي النسب هو اللعان فقط، بشروطه المعتبرة، وأنه لا يجوز نفي النسب الثابت شرعا عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها بأي وسيلة من الوسائل، لكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي قد تؤيد الزوج في طلبه اللعان، أو قد تدل على خلاف قوله فيكون مدعاة لعدوله عن اللعان.